الانحراف الفكرى والأمن الوطنى المصرى { آثار ومخاطر }

جريدة البوابة المصرية
جريدة البوابة المصرية
الداخلية توضح حقيقة ادعاء جماعة الإخوان الإرهابية ضبط شخص دون وجه حق اشرف صبحي يكرم مدرسة ماجيستي ضمن مؤتمر الذكاء الاصطناعي وزير الزراعة: الحكومة توفر كافة أشكال الدعم والتسهيلات للمزارعين والمصدرين وزير الدفاع الأمريكي: مستعد لدراسة جميع الخيارات بشأن غزة مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: نطالب باستمرار دعم أونروا وإنهاء الاحتلال الزمالك يوافق على اعتذار محلل الأداء بالاستمرار مع النادي التربية والتعليم تعلن الخريطة الزمنية للفصل الدراسي الثاني أستاذ علوم سياسية: هناك تعارض بين فرض رسوم جمركية وزيادة الصادرات في أمريكا الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع يتلقى دعوة لزيارة فرنسا أبو جزر: الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية يعد محوريًا علي معلول يعلن استمراره مع الأهلي وقيده محليا وإفريقيًا وزير العمل: نستهدف أن يعيش قانون العمل الجديد 30 سنة

مقالات

الانحراف الفكرى والأمن الوطنى المصرى { آثار ومخاطر }

د.فايزة ملوك
د.فايزة ملوك

يُعد موضوع الانحراف الفكرى من الموضوعات التى ينقصها صياغة تعريفية واضحة ومحددة، ويسعى الباحثون إلى الوصول إلى تعريف محدد لمفهوم الانحراف الفكرى، إلا أن هناك خلافًا فى الإتقان على تعريف قاطع ومحدد للمفهوم وذلك لعدة أسباب منها تداخل مفهوم الانحراف مع مفاهيم، أو ظواهر أخرى قد تستخدم كمرادف له، وتوحى بالمعنى نفسه مثل أن الانحراف الفكرى يحدث فى جوانب متنوعة من الحياة مثل الانحراف الفكرى السياسى، والانحراف الفكرى الدينى، والانحراف الفكرى الإعلامى ... إلخ. وأحيانًا ينسب الانحراف الفكرى إلى عوامل نفسية، أم عوامل اجتماعية أو قد يعزى إلى الاثنين معًا.

لكن يمكن القول أن الانحراف الفكرى هو انحراف الأفكار أو المفاهيم أو المدركات عن ما هو متفق عليه من معايير، وقيم، ومعتقدات سائدة فى المجتمع، أو بصفة أخرى هو الفكر الذى لا يلتزم بالقواعد الدينية، والتقاليد، والأعراف، والنظم الاجتماعية السائدة، والملزمة لأفراد المجتمع.

ويتساءل البعض لماذا نهتم بدراسة الأفكار عند الأفراد طالما أن الهدف النهائى هو السلوك والفعل؟

والجواب: هو أن تغيير الأفكار والآراء، والاتجاهات يزداد معه احتمال تغيير السلوك وذلك ما يعتمد عليه المرجون فى الدعاية السياسة لأحداث طرأت على الساحة أو المرشحين للانتخابات إلى غير ذلك.

اتخذ الانحراف الفكرى أشكال متعددة من أهمها القدرة على التضليل، والخداع، تشويه الحقائق، تبرير الغايات، الميل إلى الخلاف والصراع، التناقض الفكرى – السلوكى، أحادية العقلية (التعصب ورفض البدائل)، أحادية الرؤية (عقلية الرؤية الواحدة)، النزعة إلى العداء والانتقام، وأخيرًا الرفض المبنى على مبررات غير موضعية أو منطقية للمواقف والأحداث كالحكم الاستبدادى الرافض للمشاركة الشعبية، أو الاشتراكية الرافضة لحقوق الفرد.

توافرت الأسباب التى أدت إلى شيوع الانحراف الفكرى فى المجتمع أولها: الغلو والتطرف الذى يدفع إلى عدم الاعتراف بالرأى الآخر وبحقه فى الخلاف إضافة إلى مصادرة اجتهاداته فى المسائل، أو القضايا الخلافية، والمحتملة، ثانيها: سوء التنشئة الاجتماعية التى قد تصيب الفرد بالاضطرابات النفسية، والانحرافات السلوكية والفكرية ومن ثم عندما يفقد الابن النموذج الأبوى والبيئة الأسرية الأمنة فإنه سيبحث عن نموذج أو بيئة أخرى فى الخارج، ثالثها: هامشية المؤسسات الاجتماعية التى تعصد مصدرًا مهمًا من مصادر الاتجاهات، والمعلومات، والمعتقدات تمثل أولى هذه المؤسسات الأسرة فهى المحضن الأول للإنسان والذى فيه يولد، وينشأ، ويكتسب المثل، والأخلاق، والقيم ثم المدرسة التى يبدأ الاتصال بها فى مرحلة مبكرة من الحياة يليها المؤسسة الدينية والتى يمثلها المسجد ثم وسائل الاتصال الإعلامية المتنوعة، لكن ليس كل مؤسسة من هذه المؤسسات تنجح فى توظيفها وأداء دورها المطلوب فقد يسهم بعضها كالمدرسة مثلاً بشكل أو بأخر فى نشوء الانحراف السلوكى أو الفكرى لدى الفرد إذ تعتبر سوء معاملة بعض المدرسين لتلاميذهم أجد عومل النفور من المدرسة، كما أن عدم تفعيل دور المسجد فى الخطاب الدينى على حساب الجانب العلمى العقلى، كذلك عندما يغيب القانون، والنظام، والسيطرة فى بيئة، فإن احتمالات انتشار الانحرافات السلوكية والفكرية فى موطن البيئة.

وأخيرًا وسائل الإعلام التى تلعب دورًا لا يستهان به فى تكوين الاتجاهات، والأفكار، والتطرف عندما يكون هناك ترويجًا إعلاميًا لما يقوم به الإرهابيون ونشرًا لأفكارهم مثل بث البيانات والخطابات لبعض المتطرفين فى بعضا لمحطات العربية المتعاطفة مما قد يؤجج جماع بعض الناشئين الحاقدين على الأوضاع السياسية أو الاجتماعية فى اتخاذ ذلك ذريعة لنشر أفكار تبرر العنف وتحرض على الانتقام.

من جانب آخر ساعدت شبكة المعلومات العالمية (الأنترنت) كوسيلة إعلامية عالمية فى نشر الأفكار الأيديولوجيات المتطرفة، والمنحرفة من خلال ظهور ما يعرف بفقه الأنترنت بما يحتويه من فتاوى فرديه مشحونة بالانفعال، والكراهية، والتحريض على العنف.

وأمام هذا الانحراف الفكرى يظهر دور الأمن الوطنى المصرى الذى يمثل الجهد اليومى الذى يصدر عن الدولة لتنمية ودعم أنشطتها الرئيسة السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية، ومنع أى تهديد، أو تعويض، أو إضرار بتلك الأنشطة.

ويأتى الأمن الفكرى جزءًا من منظومة الأمن العام فى المجتمع بل وعلى رأس قائمة الأولويات الأمنية لأهميته، وحساسيته البالغة من مخاطبته للعقل، وعلاقته بجوانب الأمن الأخرى.

ومن ينظر إلى الأمن الفكرى فى الإسلام يرى انه واضح المعالم، لأنه فكر رسالة سماوية ثابتة وواضحة، ومحددة الأهداف، والغايات، ولهذا كان من نتائج هذا الأمن الفكرى وحدة الاعتقاد، والفكر، والسلوك، والعاطفة.

ومن ثم تنعكس آثار الانحراف الفكرى على منظومة الأمن الوطنى ومواجهتها بكل حزم، تركزت هذه الآثار فى إثارة الفتن وهى لا تقتصر على انحراف فكرى معين فقد يكون تعصبًا دينيًا مقيتًا، أو تحررًا اجتماعيًا مفرطًا، كذلك التضليل، والتعزيز بالنشء مستغلين عدم نضوج عقولهم وملكاتهم الفكرية، وتجاربهم فيتم تطويعهم فى أعمال العنف والإرهاب.

يضاف إلى ذلك شيوع الجريمة وهى مشكلة أمنية اقتصادية تتمثل فى التكاليف الباهظة التى تتحملها الدولة وتنفقها أجهزة الضبط الاجتماعى (الشرطة – المحاكم – السجون) والمؤسسات العلمية ومراكز البحوث الاجتماعية، والمؤسسات الأمنية والجنائية القائمة على وسائل مكافحة الجريمة، ومنعها، والوقاية منها.

إن آثار الانحراف الفكرى على الأمن الفكرى كما يظهر فى قلب المفاهيم والمعتقدات تكمن فى الحروب الكلامية بين أفراد المجتمع نحو الاتفاق على معانى واحدة وواضحة للقضايا الاجتماعية، والدينية التى يتعرض لها المجتمع مثل قضايا الولاء، والبراء، والشرك، والتوسل، والولاية والجماعة، والتكفير، والغلو، إضافة إلى قضايا الدعوة، والجهاد والإرهاب، وقضايا الشباب، والحجاب والحوار، والإصلاح والعولمة.

ومن أجل خلق بيئة مجتمعية صالحة للنمو الفكرى المتأصل والمعتدل حفاظًا على هويتها، وأمنها لابد من إيجاد حلول لمواجهة مشكلة الانحراف الفكرى، ومن ثم فقد يأتى ذلك فى صورة توصيات تتلخص فى عقد ندوات ومحاضرات فى المؤسسات الأهلية، والحكومية تدعم فكر الوسيطة والاعتدال، وبث روح الولاء، والانتماء الوطنى، كذلك إدراج مواد ومناهج دراسية عن تنمية التفكير وأساليب الحوار فى المناهج التعليمية، إنشاء مراكز علمية تهتم بدراسة الفكر المنحرف وآثاره وكيفية مواجهته، الاستفادة من تجارب الدول السابقة فى مواجهتها للانحرافات الفكرية الدينية إلى جانب توحيد المرجعية الدينية ووضعها تحت إشراف الدولة، كذلك الاهتمام بالشباب وصياغة البرامج والخطط الكفيلة بحمايته من الانحراف الفكرى والسلوكى ثم ضرورة التعاون والتنسيق بين أجهزة الإعلام فى محاربة الفكر المنحرف، ونشر الوسيطة والاعتدال فى الفكر والسلوك، وأخيرًا إصدار نشرات تبين آثار وأخطار الانحراف الفكرى على الفرد والمجتمع والدولة.



Italian Trulli