منوعات
الروائية وفاء شهاب الدين
ـ تجربة الانفصال عن رجل شرقي من أسوأ التجارب التى يمكن أن تعيشها امرأة
محمد عبد المنصفدخلت وفاء شهاب الدين عالم الإبداع بمجموعة قصصية عنونتها بكلمات صادمة هى "رجال للحب فقط" عام 2008 فكانت البداية صخباً، وحصلت على منحة التفرغ من وزارة الثقافة لمدة أربع سنوات، قدمت من خلالها أربع روايات هى "نصف خائنة" و"تاج الجنيات" التى تدرس الآن لطلاب الجامعة الأمريكية، ثم تبعتهما برواية "طوفان اللوتس" والتي كانت نقطة تحول كبيرة في مسارها الإبداعي ورشحها الناشر لجائزة "البوكر" العربية، ثم رواية "تذكر دومًا أنني أحبك" وكتبت بعدها مجموعة "سندريللا حافية" والتى حصلت بها على المركز الثانى فى جوائز اتحاد الكتاب، وأخيراً صدرت لها رواية "أورجانزا " منذ عامين .
"رجال للحب فقط " عنوان صادم خرجتِ به على القارئ فى أول عمل لك، فهل هناك رجال للحب فقط
لحظتها كنت أرى الأمور هكذا!! هذا عنوان صدر منذ أكثر من عشرة أعوام، وقتها كنت مازلت أؤمن بأن الرجال يصلحون للحب، أما الآن وبعد مرور هذه السنوات من هذه الكتابة الحالمة، دعينى أعترف لكِ أنني أخطأت خطئاً جسيماً فى تقديرى للأمور حينها، فليس ثمة رجال للحب فقط .. فالرجال لا يعرفون الحب من الأساس.
كما أن أغلب من هاجمنى وقتها لم يقرأ العمل وحكم عليه من العنوان فقط، لأننى فى هذه المجموعة كنت فى الأساس أنتصر للرجل لا للمرأة؛ تصورى!! فإذا كانوا فقط أعطوا أنفسهم وقتًا للقراءة والفهم، ربما كان وقف بعضهم فى بجانبى بدلاً من محاربتى.
" بربرية رغم محاولاتى التحضر، حين أحب أحرق كل مراكبى نشدانا لدوام الوصال، وأقف على شواطئ الفراق أبكى طيشى وتهورى وأتمنى مركبًا ضالًّا يقلنى حيث عالمى؛ لأكتشف أخيرًا أن لا عالم لى يشبه عوالم الآخرين، ليت لى قلب آخر حتى إن أتلف الحب قلبى استنجدت بالآخر". من روايتك "تذكر دوما أننى أحبك" . إن كانت تلك نظرتك للرجل، لماذا مازلتِ تكتبين عن الحب حتى اليوم؟
وما دخل الرجل بالحب !! سوف تظل المرأة تنشد الحب حتى لو كفر به الرجال، الحب بالنسبة لأي امرأة هو مشعل الروح والهدف الوردي الذي تظل تبحث عنه طوال حياتها، عن نفسى للأسف في سنوات مراهقتي لم أحصل على الحب وإلى الآن..ربما توهمتْ الحب أحياناً، لكن الحب لم يكن يوماً سوى وهم جميل نجمّل به حيواتنا الكئيبة، الحب كما نكتبه في الروايات لا نلتقي به إلا صدفة، وإن التقينا به ينتهي بسبب غباء الآخرين وبسبب
المجتمع وعاداته وتقاليده، نحن نعيش الحياة بطريقتها الخطأ؛ نتزوج على أساس خاطئ وننجب أطفالاً، ونظل ندور كثور في ساقية، نبحث عن الحياة وقد ضيعناها إلى الأبد، الزواج هو الخطأ الوحيد الذي لا يمكن إصلاحه إلا بالألم.
إلى هذا الحد كانت تجربة الزواج مؤلمة فى حياتك؟
طبعاً؛ إذا كان ما يغرسونه فينا منذ البدايات أن تكون قمة طموح الفتيات في مجتمعنا الريفي هو الزواج، ففى الريف الفتاة تدرس وتتعلم لتحصل على الزوج المناسب، ولا يهم التحقق أوغيره، هنا ليس ثمة فرصة للحب، فأي بصيص له تقع عليه عين المجتمع ينتهي بفضيحة لا تليق بأصحابها، لذا ظللت أنتظر الشخص المناسب الذي سيطرق الباب ليرى العروس كسلعة تعجبه أو لا..كنت تحت رحمة التقاليد فرضخت لها واخترت الاختيار الخطأ الذي انتهى بانفصال وطفل تمسكت به كما يتمسك المرء بوجوده، وقررت أن أعيش له وللكتابة، الرجل المناسب لا يتزوج امرأة لمجرد إعجابه بمظهرها الخارجي، لايقتنع بامرأة رآها مرة واحدة وقرر على أساسها الاقتران بها..هذا اختيار سطحي لا يليق برجل مثقف وأيضاً لا يليق بامرأة تحترم أنوثتها وكيانها.
إذا كان هذا عن الزواج بالرجل الشرقى!! فماذا عن تجربة الانفصال عنه
الطلاق رغم أنه خلاص من علاقات مؤلمة إلا أن تصرفات الرجل الشرقي بعده لا تمت للإنسانية بصلة، فحين يقع الطلاق تنتهي صلة الرجل بالمرأة وغالبًا ما تنتهي بأطفاله أيضًا، فيتفنن في الانتقام منها بشكل يمنح أطفاله سبباً للحقد عليه، تجربة الانفصال عن رجل شرقي من أسوأ التجارب التى يمكن أن تعيشها امرأة.
وماذا عن الأمومة مع المرأة المصرية من خلال تجربتك؟
الفتاة تولد أُمًّا، ونحن فى مجتمعاتنا الشرقية نغذى هذه الأمومة ونمارسها حتى قبل أن يصبح لنا أبناء، فأنت أم أبيك وأخيك، غريزة الأمومة هي الأساس وباقي الغرائز يمكن تكييفها حسب التقاليد والظروف، الأمومة غريزة مقدسة تدفع المرأة إلى التخلى عن كل شيء في مقابلها، قد أدفع حياتي مقابلاً لوجود فتاي في حياتي وعدم التخلى عنه، فقد ضحيت شبابي وحياتي وقلبي من أجله وإن عاد بي الزمن لاخترت نفس الاختيار.
"أنت أم أبيك وأخيك"، ماذا عن أبيك وأخيك أنتِ؟
كان أبي رجلي الأول والفارس الذي علمني كيف تكون الحياة، كنت أقلده حين يمسك بأحد المجلدات ليقرأ فيها؛ فغيرت القراءة حياتي، عشقت نبرة صوته الهادئة وضحكاته التي لا تنتهي حين يحين بيننا وقت المرح، منحني حرية لم تمنح لسواي، لم يعاملني أبدًا كابنة، لكن كصديقة لا تخجل فى استشارته فيم تقرأ أو تفعل. ورغم كل ذلك فقد منعتنى هيبته الغامرة من احتضانه طوال حياتي!! وكما كان هو فرحة الحياة فقد كان صدمتها، فعندما توفى أبى لم أكن بجواره وكنت على سفر، ولم أعرف الخبر إلا بعد عودتى، أعتقد أننى من لحظتها لم أعد كما كنت أبداً، صار على أن أصير رجلًا وامرأة.
كيف أهدأ بعد رحيل أب عندما أخبره أحد أشقائي بأن ابنته تكتب قصصاً فى الحب ما كان منه إلا أن قال:"مشاعر نبيلة لا يمكن أن يتجاهلها سوى جاحد"..فكان ردُّه هذا خط دفاعى الأول فى احترافي الكتابة دون خوف ..أما والدتي فقد ظل قمرها يتواري خلف شمس أبي إلى أن وجدت نفسي وحيدة، حينها قررتْ مساندتي في طريقى ضاربة التقاليد فى عرض الحائط وطوله أيضاً.
فى عام 2018 كيف أصبحت نظرة نساء القرية لمن يكتبن عن الحب؟
الكتابة عن الحب والحب نفسه ما زالا خطيئتين فى المجتمع الريفى لا يمكن غفرانهما، فالمبدعة في الريف عمومًا امرأة خرجت على
الشرائع والعادات والتقاليد، يدعى البعض لها نظرة إجلال وإكبار، بينما هم ينكلون بها فيما بينهم، كثيراً ما سمعت ما يقال حول كتاباتي وأنني أكتب عن أحد التابوهات التى تحرمها الأعراف والتقاليد والدين، لكنني لا آبه مطلقاً بكلمات الجاهلين الذين لم يقرأوا لي أبدًا..فكتاباتي لا تخترق التابوهات أنا أكتب عن الحب الدي يتمناه البشر، أكتب بضمير المجتمع الذي تناسى ضميره وعاش ممسوخاً بلا هوية، أنا امرأة قوية وقفت أمام العالم والعرف لأقدم جمالاً يليق بي، وأمنح المكتبة العربية تسعة كتب أسعد بها، لا أهتم إن قيمني نساء الريف أو رجاله تقييمًا لا يليق بجهدي، لأنني أعلم أن الجهل هي المحرك الرئيسي لكل الاتهامات، فلهم كل العذر.