صدر مؤخرًا كتاب تركة المثقف بين التجديد والتقليد للباحث الشريف منجود، والذي يحاول من خلاله إيجاد سبل جديد للمثقف المعاصر، وحلول لقضاياه، ويوضح منجود من بداية الكتاب أنه لا يدراج مواقف تاريخية للمثقف أكثر من مناقشة وتحليل واقع كان موجودا وأصبحنا بعيدين عنه، وما أشد الحاجة إليه في الأوقات الصعبة التي تأرجحت فيها العقول وتشرذمت فيها الأفكارـ وسعت النفوس الضعيفة إلى مطامعها ناسيه القيم. إن قراءة المواقف التاريخية هي محاولة لإيجاد نموذج "المثقف الثوري" الذي نحن بصدده، والذي نسعى إلى تحقيقه بأدوات النقد والتحليل علّا وصولنا له يخرجنا من الظلمات إلى النور.

يحاول منجود تقديم تعريف للمثقف الثوري الذي يصنع الثورة الفكرية مع الناس من البداية حيث الركود العقلي والعملي في آن واحد حتى إذا ما دهشوا مما قام به وزالت عنهم الدهشة صنع بهم إرادة؛ "فالإرادة "فعل" والفعل باطنه "قيمة" توجهه، وما دامت مجموعة القيم قائمة أمامنا، لم نصنعها، بل نشخص إليها ونحذو حذوها، فلم يبق "للعقل" إذن من مهمة يؤديها إلا أن يرسم الطريق المؤدية إلى تحقيق ما تقتضيه تلك النماذج العليا المنصوبة أمامنا، ومعنى ذلك أن مجال العقل منحصر في دنيا التنفيذ هكذا فعل المثقف الثوري الذي يقوم مقام العقل في رسم الطريق/الثورة كقيمة عليا في إنقاذ الوضع المتردي فكريا أو اجتماعيا. ويأتي السؤال عن علاقة العقل بالثورة وما مدى علاقة ذلك بالمثقف الثوري؟ وهو ما يجيب عليه الكاتب عبر كتابه.

الجدير بالذكر أن الكتاب يرصد واقع المثقف، ودوره، متبنيا مصطلح المثقف الثورى ليعبر من خلاله عن أفكاره ونقده لواقع المثقف المعاصر، والكتاب يهدف إلى الكشف عن أسباب انهيار المثقف وطرح آخر لمفهوم هذا المثقف ودوره وما يجب أن يمارسه، كما نحاول كذلك الكشف عن معوقات العمل، ومن ثم الكشف عن سمات هذا المثقف الثورى التى يجب أن يتحلى بها حتى تخرجه من ظلمات التيه وأطماع ومغريات الحاضر.

ولعل الرؤية الأساسية التى ننطلق منها هو أنه ليس هناك صواب دائم، كما أنه ليس هناك خطأ دائم، فكلا الأمرين حاضر طيلة الوقت، وهناك نماذج ثورية حقيقية فى تراثنا العربى، كما أن هناك نماذج مثبّطة للحراك الثورى داعية إلى الركود والتنطع على أفكار الماضى، أو أفكار البعض ممن ليس لهم من الأمر إلا إحباط النهضة، ويسأل سائل ولماذا وأنت تناقش فكرة المثقف الثورى تذهب إلى المثقف المضادة وتطرح أفكاره؟ والإجابة عن هذا التساؤل بسيطة جدا، وهو حتى يتسنى لنا الكشف عن ميزات الثقف الثورى وسماته يجب علينا أن نتناول أضداده ومثبّطيه كيما نعى أهمية وحضور المثقف الثورى. ويؤكد منجود إن هناك فى تاريخنا المعاصر وبالتحديد فترة مصر الحديثة التى شهدت رواج أفكار ثورية، كما شهدت رواجًا لأفكار ظلامية، وهذا ما عرض له المؤلف فى هذا الكتاب، فالنماذج ثورية عديدة ربما يطول سردها وكذا النماذج المضادة للفعل الثورى غير أن المؤلف اختار أوضح النماذج وأكثرها تأثيرا فى الطرفين ومن خلال الأضداد تتكشف الحقائق.

جاء الكتاب في ثلاثة فصول: الأول عن مفهوم المثقف الثورى وفيه يطرح المؤلف مفهوم ومعنى والحضور التاريخى وسمات هذا المثقف والعوامل التى أدت إلى أزمة الواقع الذى نعيشه، والثانى فهو حول المثقف الثورى الذى تم تصنيفه فى نموذجين: الأول المثقف الثورى فى الميدان وهى نماذج لبعض المثقفين أثناء الثورات الاجتماعية والسياسية نستعرض دور هذا المثقف وفاعليته وموقفه أثناء اندلاع الثورة، أما المحور الثانى فهو المثقف الثورى فى ميدان الفكر وفيه نطرح لأهم القضايا التى تناولها بعض المثقفين وكانت ثورة فى عالم الثقافة والفكر كما كانت ثورة فى المجتمع أثرت وما زالت تؤثر. واشتمل الفصل الثالث على قراءات غنية لشخصية وقناعات المثقف المضاد ومجريات ثورته المضادة وكيف أثر ومدى تأثيره فى الواقع المجتمعى.