” المؤلفة جيوبهم ” ..

جريدة البوابة المصرية
جريدة البوابة المصرية
الشهابي:يشيد بقرار الرئيس برفع عدد من المدرحين علي قوائم الإرهاب عبر النيابة العامة محافظ مطروح يفتتح ورشة عمل عن الخطر السيبراني وزير الري: يوجه بالإستفادة من املاك الوزارة يتماشى مع التوجهات العامة للدولة جهاز تنمية المشروعات يطلق النسخة السادسة من معرض "تراثنا" للحرف اليدوية والتراثية 12 ديسمبر المقبل وزيرة التنمية المحلية تشارك في فعاليات إنطلاق النسخة الخامسة من الأسبوع العربي للتنمية المستدامة بجامعة الدول العربية تعرف من عارف علي اسعار الفاكهة جملة اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 تعرف من عارف علي اسعار الاسماك اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 جامعة أسوان تنظم يوم رياضي ضمن مبادرة 100 يوم رياضة وإقامة المباراة النهائية لبطولة دوري الأنشطة الطلابية تعرف من عارف علي مواعيد مبارايات اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 ساعات ويختتم العالم قمة المناخ COP29 بباكو عاصمة أذربيجان تعرف من عارف علي اسعار الخضار اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 تعرف من عارف علي اسعار الذهب اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

” المؤلفة جيوبهم ” ..

الدكتور محسن عبد الخالق
الدكتور محسن عبد الخالق
كلما اقتربنا من الحقيقة تبين لنا أن ما لا نراه هو جزء أساسى مما نراه ، ولا نفهم ما نراه الا اذا وضعناه فى اطار ما لا نرى
، وأن أحدا ليس فى مقدوره أن يزعم رؤية الصورة كاملة ومعايشة المفاجآت كل ساعة .
فى أفق هذا المعنى أقدم صورة استخلص عناصرها ورصد مكوناتها والعلاقات التى تربط عناصر التشكيل وأبعاده من الواقع والوثائق ، قد تكون جزئية وقد يكون ضوؤها غير كاف لاظهار تفاصيلها لكنها فيما أرجو غير بعيدة عن الواقع وليست منقطعة الصلة به .
ولكى تبدو الألوان والظلال والفراغ وما تحتويه من إشارات وإيماءات قادرة على استيفاء وقائعها نابضة حيّة
وكاشفة للخطوط الفكرية التى امتدت لنراها قد تلاقت كلها فى نسيج واحد ، كان علينا أن، نوصّف الحقائق كما فعل الفقهاء القدامى نستبعد من الموضوع ما ليس منه ونحذف كل الجزئيات، التى تشوه الصورة على النحو التالى :
أخطأنا ان وضوح نقطة البداية فى الحديث هو قوة دافعة له فى الاتجاه الصحيح وبالتالى فهو عامل مهم فى الوصول به الى هدفه . يُخطِيء الرمل نفسه فى قراءة الصحراء ، كما أن العمل السياسى لا يقوم به الملائكة وإنما يقوم
به البشر ، كان علينا أن نعترف حقاً بأننا جميعاً أخطاء متبادلة بعضها كاد يمحونا ، وبأن نعترف أن الخطأ لم يكن من جانب واحد ، على أن يتخطى اعترافنا شكله اللغوى – اللفظى ، وأنه ليس كافياً أن نعترف بأننا أخطأنا ، فكل اعتراف لا يولْد معرفة جديدة لا يكون الا شكلاً آخر من الهرب من أنفسنا ومن المواجهة ، مثل هذا الاعتراف مهم فى حد ذاته وقد يكون بداية ومفترقاً . أخطأنا حين وضعنا هواجس الحرص على الغنائم سابقة على طموحات الحُلم ، وحين حلت «الرغبة» محل «الحكمة» وحين حلت «المصلحة» محل «الحقيقة» ، أخطأنا
حين تاهت عنا أسباب غياب كلمة «نحن» فى زمن عدم جدوى «أنا» وأن الواحدية دائما تراث، ضد الانسانية وهى تقضى على جوهر الاختلاف والتنوع والتعدد وفرضها قضاء على الانسان وفكرة الابداع البشرى ، وأن ما يجب أن «يوحدنا» هو نفسه الذى «يفرقنا» وأننا «واحد» على مستوى «اللفظ » لكن على مستوى «العمل» نبدو «كُثر»، كثيرة هى الأشياء التى تجمعنا وقليلة التى تفرقنا ، لكن هذا القليل كان بدوره كثير ، وأننا فى جدل دائم مع أنفسنا قبل غيرنا .
وأن الجدل لا يزال مستمراً حول ما هو مؤكد ولا ينتقل بعده الى ما هو ضرورى ، وكلهم يتكلمون فى اللحظة ذاتها دون توقف ، ومن يتكلم لا يعرف ومن يعرف لا يتكلم الا قليلاً ، لم نعرف كيف نقيس قدرتنا على الكلام بقدرتنا على الصمت ، فإذا الأصوات تسير فى اتجاه بينما يسير الكلام فى اتجاه آخر ، فى حين اذا تكلمنا فعن المستقبل واذا فكرنا فمن أجله واذا عملنا فله ، العمل كله للمستقبل لأجيال لم تولد بعد ، ضاعف من الخطر أن هناك من راح يحاول أن يقف فى مكان أعلى من الوطن ، وهناك من أخذ يعمل على أن يغيَّر
لون الوطن وهناك من يحاول نقل الشمس من مدارها القديم الى مدار آخر لتضيء ، وأنه حتى الآن لم يقدم لنا حكماء الأمة غير محاولات متجمدة عند حدود الأسف ! . والأخطر فى ظل، هذا الهُراء السياسى نجد الآخر يحاورنا بمستقبله بينما نحاوره نحن بماضينا ، كأننا توقفنا عند الماضى ولم نكن نعيش حاضرنا الا بوصفه جزءًا حيًّا من التاريخ ومن الماضى، وكان غياب العقل النقدى والمقاييس التى يقاس بها النقد وترعى حرمته هو أهم ما افتقرت
اليه حياتنا ولم تجده .
توصيف يُغنى عن شرح كثير من التفاصيل والاثباتات، لبعض الذين يعملون فى اعلام بدائى تخلف عن العصر غارق داخل محلية ضيقة، كل يوم يتكامل نقصاً، لا يحظى باحترام مواطنيه وثقتهم ، ولا حتى العاملين فيه ، فيه رجل واحد يكذب
ومائة يكررون ما قاله كأنه صحيح ، فيه كفيف يقود كفيفا غيره وكلاهما على سفر فى محيط الماضى ، فهو لا يرى شواهد من القدرة على الانجاز مرئية، ولا مشروع مؤسسا على حساب
القوة والارادة يحقق المقدور عليه فكراً وفعلاً . لدينا مؤثرات صوت بلا موضوع وطبول تدق وأصوات متنوعة الطبقات واللهجات والنغمات ، وكلها رياح بلهاء متقلبة الاتجاهات، تعمل على تدمير الممكن باسم المستحيل ، اننى لا أجد بديلاً لتعبير الدهشة فى وصف موقفى
مما أراه من بعض الديكة التى يخطر ببالها أن الصبح لا يطلع اذا لم تؤذّن هى عند الفجر، مع أن الصباح سوف يطلع سواء أذّن الديك أو لم يؤذّن ، بعضهم مازال يعيش فى دور صانع القرار أو الواعظ فى مخالفة واضحة لوظيفته ، تسمع صوته فى الظاهر نقداً غير أنه فى العمق خاضع راكع يسمع ولا يتكلم ، ينفّذ ولا يناقش ، يتلقى ولا يحاور ، تربطه علاقة مذلّة وولاء أبكم ببعض رجال ثروة معظمها مجهولة المصدر من مخلفات زمن يبدو أنه لا يزال متواصلاً .
ما من واحد منهم إلا وله تاريخ مخزٍ من الاتهامات وسجلً موثق من الانحطاط السياسى ، تسيّرهم وتتحكم بهم شهوة المال بحيث يبدو المال أكبر من مالكه ، لا يحققون مصالحهم بمنطق الحق المستقيم وإنما بعوج السياسة ، بعضهم يحاول الهرب من ماض يخاف أن «يلاحقه» ، والبعض الآخر يحاول الامساك بفرصة يخاف أن لا « يلحقها».
توافقت مصالحهم وتمركزت مطامعهم مع « المؤلفة جيوبهم « من الذين اتخذوا من الصحافة «محطة» وليس نقطة
وصول «نهائية» لزراعة الشر وبث الفتن وصناعة الكراهية ، لكل منهم سحنة «مرئية» وألف وجه «غير مرئى» يختزل الواقع فى «لقطة» ويختزل المجتمع فى «صيحة»، فاذا صحافة الرأى
تتحول لصحافة الاحتفالات ، وصحافة الفكرة لصحافة توزيع الجوائز، وصحافة الخبر لصحافة التلميع ، وصحافة الاستنارة لصحافة المنافع ، وصحافة القيمة لصحافة اتخذت موقعها فى الدرك الأسفل من المعنى. أولئك هم زواحف الكتاب ، ونقاد العناوين ، وقراء الهوامش ، والمشاركون فى المبالغات ، وشرح المشروح، وفهم المفهوم ، ومن لا معنى لهم.
يمكن أن تجد بينهم « كاتبا كبيرا» لكنه بالتأكيد «انسان صغير»، يستخدمون اللغة التى لا تليق بالكتابة ولا باللغة ولا بقيم الانسان ، ويملؤن تلك الصحف المموّلة بأعمدة الثرثرة، والاثارة وكتابات ليست الا تنويعات على العدم الثقافى الذى نعيشه ، وتتخفى غائيتهم، ومقاصدهم فى ثنايا معلومة «مصنّعة» لخلق فرد منقسم على نفسه يتجزأ داخل نفسه بحيث يعيش مأساته دون أن يتراسل مع رفقائه فيها. وهكذا تتقطع خطوط الاتصال بيننا وبين أنفسنا.

وينشق المكان الذى يوحّدنا ، وهكذا لا يكون الانسان موجوداً. يزيد من عدمية مشهد «الاعلام المنفلت» أن تتدافع أصواتهم من المحطات وصورُهم تطل من الشاشات بسلسلة من التخرصات، والافتراءات وحملات الاساءة لأنبل ما فى الوطن من أبناء أولئك الذين يقيمون مع الموت على الحدود ، يؤدون دورهم فى يقين الأنبياء وصمت الشهداء، والتطاول على القضاة وأحكام
القضاء مع أن القانون هو وحده الذى يحق له أن يتهم .
وهذا مبدأ يجب أن يكون فى مرتبة القداسة وهو مع ذلك مبدأ يتناوله السفهاء الذين تُتّخذ مصالحهم صفة القانون ويطلقون
التهم على الآخرين كما يشاؤون ، منهم علماء وفقهاء أجلاء دون علم ، أمام هذا الخداع، والتضليل والمغالطة والمراوغة ونشر اليأس والاحباط واستباحة حرمة المعانى «والسقوط المروّع للمعني» يمكن أن تتصدع مؤسسة الأسرة وينحل الرابط الاجتماعى ويترهل تأثير الثقافة الحافظة « للوعى والمعنى» .
لا أبالغ اذا قلت أن هذا النوع من الحملات ونشر الأكاذيب، وفبركة الأخبار والبحث عن الفضائح يرتد على المطلوب منهم أن يكونوا أصحابها قبل أن، ينعكس على المقصود لهم أن يكونوا ضحاياها ، وهو يعكس عجزاً مهنياً عن فهم ما يجرى وقصوراً
فى رؤية الحقيقة لا يغتفر ألحق الأذى بضمير الأمة وهو خلاصة تجربتها وبأعصاب الامة وهى محرك ارادتها ، ذلك بإستثناء لا تتجاوز نسبته حدود التفاؤل يشتغلون بالصحافة ويجرى فى دمائهم عِطرها .
وأقلام لها معنى وبالتالى لها قيمة تستحق الحرص يمتد تأثيرها الى الناس وتجعل من العقول قوى محركة لها نشاطها ونفوذها ورؤاها. مؤدى ذلك أن المال لا يصنع الاعلام يصنعه نقل الحقيقة، ولا شك ان غياب رأس المال المتخصص فى النشاط الاعلامى
هو الذى جعل المجال مفتوحا ومستباحاً أمام بعض ملاك قنوات وأصحاب صحف تحول معظمها الى أماكن لتدريب اللغة على الشيخوخة، واتخذوا منها ذراعا سياسية وأداة ضغط لتحقيق مصالحهم.

ومصالح أخرى «من كل لون». فى حساب المصالح لا توجد أرقام تخرج لوجه الله ، وانما يوجد مال « لتخدير الذمم» وغنى مفاجئ لا تروضه ثقافة أصيلة وهكذا يتبدى التداخل بين المصالح والغايات عميقاً ومريباً. يبقى أنه لا يليق بالصحفى إلا أن تكون حواسه المهنية يقظى، وأن يظل واعيا بحركة التاريخ وهو يضع نقط تحوله ويحدد نهايات طرقه على أن يكون هذا
الوعى قائما على معرفة العالم والعصر ، وأن الصحفى ليس مجرد مصادر معلومات فحسب وانما الصحفى «ذاكرة» أيضا،
وأن الزمن لا يستطيع أن يمشى بالنسيان على ذاكرته وذلك تحد آخر.
ان الصحافة ليست مجرد نشر الأحاديث والصور واجراء الحوارات، وانما هى بحث عن الحقيقة، وراء المشاهد وربط المشاهد بعضها بالآخر والنفاذ بها الى المستقبل حتى تتكامل الصورة، ذلك لاعلاء شأنها واستمرار دورها بوصفها «أول مسودة للتاريخ» . فى ظل هذا المناخ، الذى تكدست فيه صور فوق صور ، وأصوات فوق أصداء ، يقع علي « برلمان مصر» مسئولية أن
يضع فى مقدمة أولوياته سرعة اصدار التشريعات المنظمة والضابطة لأجهزة الاعلام .
ودراسة المواد المصنّعة سلفاً والتى يتخفى وراءها بعض من توافقت مصالحهم وتوحّدت ارادتهم ، وأغفلوا رأى شيوخهم فى اشارة جحود ونكران ماكرة ، وقصور فى رؤية الواقع ، وهو ظلم للذين، بنوا وأنشأوا وضحوا وتحملوا مسئولياتهم بنوع من التقديس ، ذلك من أجل اعداد مشروع قانون
مُفصّل على الهوى يُمَكّن «نقابة الصحفيين» أن تبسط نفوذها على سائر الصحف القومية، «ادارة وتحريراً» فى سابقة مؤسفة لم يعرفها تاريخ الصحافة المصرية ، مما يجعل حمرة الخجل توقد النار . ان الصحافة المصرية لم تكن أحوج مما هى الآن الى مساندة الاعلام القومى بوضع استراتيجية خاصة تؤكد استقلاله لأنه القادر عن التعبير على كل أطياف الشعب
بموضوعية دون مصالح . المشكلة أن البعض يعود الى الوراء وهو سائر الى الأمام .
دعوة ثعبانية وبينما التاريخ يعقد جلساته فوق أشلاء الضحايا والدماء تصبغ الأرض والشعب يتمزق
صبراً فى انتظار القصاص ، نجد من يدعو للمصالحة دون تسوية حسابات دم معلقة .
لا تقوم
الانسانية على «التسامح» وإنما تقوم على «العدل» ، ذلك حتى لا ينكفيء النور على الظلام ونعيش ليلا داخل ليل غارق فى الدم طويل ..انتبهوا الليل يحذرنا من ظلماته .القانون ، الاستقرار جميعها غائبة ، بغير القانون لا يتقدم بشر ، ولا يتحرك زمان
، ان فكرة القانون هى أفضل ما أنتجه الفكر الانسانى على طول العصور ، والاعتداء على القانون صورة من أسوأ صور الانحطاط السياسى والفكرى التى لم يعرف التاريخ لها نظيرا
فى احتقار الانسان.
المعارضة الوطنية ..
المعارضة الوطنية واجبة الوجود ليبقى الشعب
وفيًّا لرحلة الحضارة ، وكلما اشتدت شوكة المعارضة الوطنية زادت قوة الدولة ، ان نديَّة المعارضة تعبير عن قوة الدولة وهى علامة جودة على دولة قوية على أن يظل نقد المعارضة، ولغتها تحكمها أصول ، وقواعد ، وأعراف ممارسة سياسية ، باعتبار النقد أداة تقدم وأن هناك مقاييس يقاس بها وترعى حرمته . ذلك بعيداً عن خلق «زعامات اصطناعية» دون جدوى
، تعمل على تجزئة ارادة الأمة وتقسيم مصالحها.
شعب فيلسوف ..
الفكاهة هى السلاح الذى يشهره المصريون
فى وجه الابتلاء فى كل زمان ومكان ، والسخرية عنده ليست لفظا وإنما السخرية موقفً مصور
ومتحرك يفيض من حس السخرية وروحها .
وهو يكشف بالكوميديا الاعوجاج الانسانى واصلاح الخلل الاجتماعى . الفكاهة الراقية جزء من صميم شخصية الشعب المصرى ، كأنه ولد والفكاهة، فى فمه بل فى دمه أيضاً ، يمكنك أن تلحظ ومضة العبقرية فيما يكتب من مأثورات على خلفية بعض سيارات الركوب التى تعتمد على المفارقات الصارخة، وعلى السلوك الذى يمارسه الناس، سواء بوعى أو بغير وعى التى تكشف النقائض والعيوب الاجتماعية التى تميز عصره .
فى أزمات التحدى والشدائد يخرج أكثر ما فى المصريين من نور، شعب ملكاته وخصائصه جميعاً أكبر من جراحه ، يقدر مسار خطاه بوعى واقتدار ، وهو قادر على أن يتجاوز لحظات الحزن، ويواصل صناعة التاريخ بعدها


Italian Trulli