مقالات
صناعة التاريخ .. لوحات
الدكتور محسن عبد الخالقاللوحة الأولى :
المعارضة الوطنية :
المعارضة الوطنية واجبة الوجود ليبقى الشعب وفيًّا لرحلة الحضارة ، وكلما اشتدت شوكة المعارضة الوطنية زادت قوة الدولة ، ان نديَّة المعارضة تعبير عن قوة الدولة وهى علامة جودة على دولة قوية على أن يظل نقد المعارضة ولغتها تحكمها أصول ، وقواعد ، وأعراف ممارسة سياسية ، باعتبار النقد أداة تقدم وأن هناك مقاييس يقاس بها وترعى حرمته . ذلك بعيداً عن خلق «زعامات اصطناعية» دون جدوى
، تعمل على تجزئة ارادة الأمة وتقسيم مصالحها.
المعارضة الوطنية واجبة الوجود ليبقى الشعب وفيًّا لرحلة الحضارة ، وكلما اشتدت شوكة المعارضة الوطنية زادت قوة الدولة ، ان نديَّة المعارضة تعبير عن قوة الدولة وهى علامة جودة على دولة قوية على أن يظل نقد المعارضة ولغتها تحكمها أصول ، وقواعد ، وأعراف ممارسة سياسية ، باعتبار النقد أداة تقدم وأن هناك مقاييس يقاس بها وترعى حرمته . ذلك بعيداً عن خلق «زعامات اصطناعية» دون جدوى
، تعمل على تجزئة ارادة الأمة وتقسيم مصالحها.
اللوحة الثانية ..
شعب فيلسوف :
الفكاهة هى السلاح الذى يشهره المصريون فى وجه الابتلاء فى كل زمان ومكان ، والسخرية عنده ليست لفظا وإنما السخرية موقفً مصور
ومتحرك يفيض من حس السخرية وروحها . وهو يكشف بالكوميديا الاعوجاج الانسانى واصلاح
الخلل الاجتماعى . الفكاهة الراقية جزء من صميم شخصية الشعب المصرى ، كأنه ولد والفكاهة
فى فمه بل فى دمه أيضاً ، يمكنك أن تلحظ ومضة العبقرية فيما يكتب من مأثورات على خلفية بعض سيارات الركوب التى تعتمد على المفارقات الصارخة، وعلى السلوك الذى يمارسه الناس سواء بوعى أو بغير وعى التى تكشف النقائض والعيوب الاجتماعية التى تميز عصره . فى أزمات
التحدى والشدائد يخرج أكثر ما فى المصريين من نور، شعب ملكاته وخصائصه جميعاً أكبر
من جراحه ، يقدر مسار خطاه بوعى واقتدار ، وهو قادر على أن يتجاوز لحظات الحزن، ويواصل
صناعة التاريخ بعدها
شعب فيلسوف :
الفكاهة هى السلاح الذى يشهره المصريون فى وجه الابتلاء فى كل زمان ومكان ، والسخرية عنده ليست لفظا وإنما السخرية موقفً مصور
ومتحرك يفيض من حس السخرية وروحها . وهو يكشف بالكوميديا الاعوجاج الانسانى واصلاح
الخلل الاجتماعى . الفكاهة الراقية جزء من صميم شخصية الشعب المصرى ، كأنه ولد والفكاهة
فى فمه بل فى دمه أيضاً ، يمكنك أن تلحظ ومضة العبقرية فيما يكتب من مأثورات على خلفية بعض سيارات الركوب التى تعتمد على المفارقات الصارخة، وعلى السلوك الذى يمارسه الناس سواء بوعى أو بغير وعى التى تكشف النقائض والعيوب الاجتماعية التى تميز عصره . فى أزمات
التحدى والشدائد يخرج أكثر ما فى المصريين من نور، شعب ملكاته وخصائصه جميعاً أكبر
من جراحه ، يقدر مسار خطاه بوعى واقتدار ، وهو قادر على أن يتجاوز لحظات الحزن، ويواصل
صناعة التاريخ بعدها
اللوحة الثالثة ..
تديّن حرفى ..
لم نكن أحوج مما نحن الآن لأفكار تسهم فى إضاءة الأفق وتردّ الاعتبار للعقل المعنى بقراءة الاجتهاد ، فالوصاية هى العدو الأكبر لكلمة اقرأ وبالتالى العدو الأخطر للدين من منطلق أنها تؤسس «للجهل المقدس» اذ ليس
هناك ابداع دون فك القداسة عن اجتهادات الاشخاص . لم نكن أحوج مما نحن الآن الى أن نسقط الى الأبد فكرة تديين السياسة وتسييس الدين وتحويل الدين الى رأسمال سياسى ، ونقد القيم والمفاهيم البالية وتصحيحها ، وأن نرفع بصمة التخلف من فوق صفحة الشريعة ، ذلك
حتى لا نعطى للمجهول وصاية على المعلوم ، لقد كان فوق الاحتمال أن نجد الأمة التى ترى
فى التفكير تفوقاً فى كل مراحل تاريخها تعود لتستخرج قضايا من مقابرها لتعيد لها الحياة
، وإثارة قضايا أخرى دفنتها السنين وسط هلوسة خرافة تنتقد خرافة أخرى يمكن أن تمزق المجتمع أو تغرقه فى خزعبلات مظلمة مسكونة ، وتدّين حرفى تتسع مساحات ضجيجه وتطرف دينى تجمع تحت راية الأمر الالهى ، ومناظرات عقيمة حول قلب الثوابت وتزييف العقائد. ان أى
استخدام للدين هو نفسه شكل من أشكال العنف لا ضد الجسد وحده وانما ضد الروح كذلك، وهو
فى هذا أشد أنواع العنف ازدراء للانسان لأنه يصيبه فى كيانه الانسانى العميق ، فى ضميره،
وحريته، وفكره، وحتى فى مُخيّلته !.
نحن أمام حالة مستعصية من الجهل المخلوط بسوء الفهم ، فيه من يؤدى دور الآلهة ويقوم بمهمة القدر ، وفيه من يتحدث ويفعل نيابة عن السماء ، وكان ذلك انتهاكاً لحرمة العقل ومقدسات التفكير، ان على الاصلاحيين وأساتذة علوم المستقبل والعناصر المستنيرة فى هذه الأمة أن تتنبه الى مسئولية واقعة عليها وليس على غيرها وهى نقد القيم والمفاهيم البالية وتصحيحها بوسائل العقل الذى يمتلك أداة هدم أساطير غيبية وشعوذة سياسية تخدّر ادراك الأبرياء ، وأنها فى مواجهة «وباء دورى» كامن ومستوطن فى الخلايا ينهش فى أنسجة الوطن ويعربد فى أجهزته .
أننا فى عصر المعلومة المشعة قد نستطيع التحوط ضد «الأمراض» بأمصال، لكن البشرية لم تعرف من قبل التحوط بأمصال ضد
«الأفكار».
تديّن حرفى ..
لم نكن أحوج مما نحن الآن لأفكار تسهم فى إضاءة الأفق وتردّ الاعتبار للعقل المعنى بقراءة الاجتهاد ، فالوصاية هى العدو الأكبر لكلمة اقرأ وبالتالى العدو الأخطر للدين من منطلق أنها تؤسس «للجهل المقدس» اذ ليس
هناك ابداع دون فك القداسة عن اجتهادات الاشخاص . لم نكن أحوج مما نحن الآن الى أن نسقط الى الأبد فكرة تديين السياسة وتسييس الدين وتحويل الدين الى رأسمال سياسى ، ونقد القيم والمفاهيم البالية وتصحيحها ، وأن نرفع بصمة التخلف من فوق صفحة الشريعة ، ذلك
حتى لا نعطى للمجهول وصاية على المعلوم ، لقد كان فوق الاحتمال أن نجد الأمة التى ترى
فى التفكير تفوقاً فى كل مراحل تاريخها تعود لتستخرج قضايا من مقابرها لتعيد لها الحياة
، وإثارة قضايا أخرى دفنتها السنين وسط هلوسة خرافة تنتقد خرافة أخرى يمكن أن تمزق المجتمع أو تغرقه فى خزعبلات مظلمة مسكونة ، وتدّين حرفى تتسع مساحات ضجيجه وتطرف دينى تجمع تحت راية الأمر الالهى ، ومناظرات عقيمة حول قلب الثوابت وتزييف العقائد. ان أى
استخدام للدين هو نفسه شكل من أشكال العنف لا ضد الجسد وحده وانما ضد الروح كذلك، وهو
فى هذا أشد أنواع العنف ازدراء للانسان لأنه يصيبه فى كيانه الانسانى العميق ، فى ضميره،
وحريته، وفكره، وحتى فى مُخيّلته !.
نحن أمام حالة مستعصية من الجهل المخلوط بسوء الفهم ، فيه من يؤدى دور الآلهة ويقوم بمهمة القدر ، وفيه من يتحدث ويفعل نيابة عن السماء ، وكان ذلك انتهاكاً لحرمة العقل ومقدسات التفكير، ان على الاصلاحيين وأساتذة علوم المستقبل والعناصر المستنيرة فى هذه الأمة أن تتنبه الى مسئولية واقعة عليها وليس على غيرها وهى نقد القيم والمفاهيم البالية وتصحيحها بوسائل العقل الذى يمتلك أداة هدم أساطير غيبية وشعوذة سياسية تخدّر ادراك الأبرياء ، وأنها فى مواجهة «وباء دورى» كامن ومستوطن فى الخلايا ينهش فى أنسجة الوطن ويعربد فى أجهزته .
أننا فى عصر المعلومة المشعة قد نستطيع التحوط ضد «الأمراض» بأمصال، لكن البشرية لم تعرف من قبل التحوط بأمصال ضد
«الأفكار».
اللوحة الرابعة ..
" المرض فاتِك "
التطهير يسبق التغيير أى محاولة للسباق مع الأيام تبدأ بالتغيير فى اطار أن الدولة «أداة قانون» فى المجتمع، وايجاد النسيج
الثقافى والسياق المحفّز المواتى لعملية التغيير . ان نقطة التحول فى دراما ما يجرى أن «التطهير «لم يسبق» التغيير «وأنه غالباً ما يجيء بطيئاً ثقيلاً يتلكأ عن موعده كأن وحدات الزمن طال عمرها ونامت عقاربها على سطح الساعة. الوقت يداهمنا وعلينا أن
نصغى لصوت الوقت ونحذر وقتا يجيء ولا نسمعه ، فنحن أمام حالة حرجة ، تحتاج لعناية فائقة ، وجراحة عاجلة ، ولن يجدى معها العقاقير التى يتكاسل مفعولها ، فالمرض فاتك كامن ومستوطن
فى الخلايا ينهش فى أنسجة الوطن ، ويعربد فى أجهزته، وهو يحمل أوجاعا قديمة مستقرّة فى العظام . ان مكمن الخطورة أن من يحملون العدوى فى أفواههم كُثر ، وأن العدوى تنتقل من فم الى فم ، والشعب يتمزق صبراً فى انتظارتغيير فى العمق وحتى الجذور ، وليس تجسيداً للمثل الفرنسى: " كلما تغير ذا، كان ذا نفس الشيء " ! .
ان التغيير الحقيقى يتخطى مجرّد تغيير أفراد ، وإنما تغيير نُظم ، وسياسات ، وأساسات، وقوانين ، وقواعد محدَّدة ، وتعبئة
كاملة للموارد والناس والظروف، ذلك لكى نذهب الى المستقبل بأعلى ما يمكن من درجة التأهل
الحضارى. هناك زمن يتحرك وعلينا أن نصغى لصوت الوقت ونحذر وقتا يجيء ولا نسمعه ، ذلك حتى لا تتألب علينا كل عوامل الغِيّ ونحن عنها غافلون ، ولعل الأشد خطراً أن نصبر على
الخطأ بوصفه صواباً، ولا نستأصل الداء بدوائه وإنما نغيّره بداء آخر . مطلوب تجفيف مستنقعات الاعلام من سلالات الماضى وسمومه، واستئصال العناصرالمعطوبة التى تتكاثر فى كل أجهزة
الدولة وتعمل على أن يتحول الوطن الى مستنقع ملارى كبير .
ان الخطر القادم على الطريق كثير وهو يتهدد وجودنا ، وهناك ظلال تتقصد أن تغطى على المستقبل ليرتبك ، وتتعثر خطاه ، لكننا أمة يقظى فى أوان انتباهها .
" المرض فاتِك "
التطهير يسبق التغيير أى محاولة للسباق مع الأيام تبدأ بالتغيير فى اطار أن الدولة «أداة قانون» فى المجتمع، وايجاد النسيج
الثقافى والسياق المحفّز المواتى لعملية التغيير . ان نقطة التحول فى دراما ما يجرى أن «التطهير «لم يسبق» التغيير «وأنه غالباً ما يجيء بطيئاً ثقيلاً يتلكأ عن موعده كأن وحدات الزمن طال عمرها ونامت عقاربها على سطح الساعة. الوقت يداهمنا وعلينا أن
نصغى لصوت الوقت ونحذر وقتا يجيء ولا نسمعه ، فنحن أمام حالة حرجة ، تحتاج لعناية فائقة ، وجراحة عاجلة ، ولن يجدى معها العقاقير التى يتكاسل مفعولها ، فالمرض فاتك كامن ومستوطن
فى الخلايا ينهش فى أنسجة الوطن ، ويعربد فى أجهزته، وهو يحمل أوجاعا قديمة مستقرّة فى العظام . ان مكمن الخطورة أن من يحملون العدوى فى أفواههم كُثر ، وأن العدوى تنتقل من فم الى فم ، والشعب يتمزق صبراً فى انتظارتغيير فى العمق وحتى الجذور ، وليس تجسيداً للمثل الفرنسى: " كلما تغير ذا، كان ذا نفس الشيء " ! .
ان التغيير الحقيقى يتخطى مجرّد تغيير أفراد ، وإنما تغيير نُظم ، وسياسات ، وأساسات، وقوانين ، وقواعد محدَّدة ، وتعبئة
كاملة للموارد والناس والظروف، ذلك لكى نذهب الى المستقبل بأعلى ما يمكن من درجة التأهل
الحضارى. هناك زمن يتحرك وعلينا أن نصغى لصوت الوقت ونحذر وقتا يجيء ولا نسمعه ، ذلك حتى لا تتألب علينا كل عوامل الغِيّ ونحن عنها غافلون ، ولعل الأشد خطراً أن نصبر على
الخطأ بوصفه صواباً، ولا نستأصل الداء بدوائه وإنما نغيّره بداء آخر . مطلوب تجفيف مستنقعات الاعلام من سلالات الماضى وسمومه، واستئصال العناصرالمعطوبة التى تتكاثر فى كل أجهزة
الدولة وتعمل على أن يتحول الوطن الى مستنقع ملارى كبير .
ان الخطر القادم على الطريق كثير وهو يتهدد وجودنا ، وهناك ظلال تتقصد أن تغطى على المستقبل ليرتبك ، وتتعثر خطاه ، لكننا أمة يقظى فى أوان انتباهها .