فى قِيمَة وأَدَبِ اَلتَّوَاضُعِ ..لوْحَةٌ

جريدة البوابة المصرية
جريدة البوابة المصرية
الجامعة العربية: نعمل على مشروع قرار بمجلس الأمن لوقف التصعيد الإسرائيلي في سوريا أكسيوس: ترامب قد يأمر بتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية محمد معروف حكمًا لمباراة الزمالك وحرس الحدود في الدوري الممتاز أمين صندوق الزمالك يكشف حقيقة سرقة خزينة النادي رئيس الوزراء يوفر لطالبة موهوبة من المكفوفين بأسيوط جهاز ”لاب توب” في بيان شديد اللهجة.. الزمالك يعلن تحويل زيزو للتحقيق مبابي يبدأ الحجز على أرصدة باريس سان جيرمان مودرن سبورت يدرس الانسحاب من الدوري الممتاز زير التعليم العالي يبحث تعزيز التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي في البحث العلمي والابتكار وزير الشباب والرياضة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان ملتقى الشباب العربي للسياحة طائرة أمريكية تصطدم بأخرى على الأرض في مطار واشنطن محافظ القليوبية يلتقي رئيس الهيئة الوطنية للصحافة ورئيس مؤسسة الاهرام للتعاون

مقالات

فى قِيمَة وأَدَبِ اَلتَّوَاضُعِ ..لوْحَةٌ

الدكتور محسن عبد الخالق
الدكتور محسن عبد الخالق

كَانَ الأُسْتَاذُ يَحْيَى حَقِّيْ يَتَرَأَّسَ الأُسْتَاذُ نَجِيبْ مَحْفُوظْ فِي العَمَلِ ، وَكَانَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَدْخُلُ أَوْ يَمُرُّ عَلَى الأُسْتَاذِ نَجِيبْ مَحْفُوظْ فِي مَكْتَبِهِ كَانَ الأُسْتَاذُ نُجِيبْ يُصِرّ عَلَى أَنْ يَقِفَ مُرَحِّبًا بِهِ ، وَكَانَ الأُسْتَاذُ يحى حَقِّى يخجل ويُحَاوِلُ بِشِدَّةِ أَنْ يُثْنِيَهُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَجْلِسَ إِلَى جِوَارِهِ ..
هَكَذَا كَانَتْ " أَخْلَاقُ الكِبَارِ " كِلَاهُمَا يَعْرِفُ قَدْرَ صَاحِبِهِ ، كِلَاهُمَا كَانَ يَسِيرُ بِاللُّغَةِ إِلَى آخَرَ اللُّغَةَ قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ اللُّغَةَ فى الدَّرَكِ الأَسْفَل مِنْ المَعْنَى ..
عَرَفَتْ كُلَّ مِنْهُمْ أُسْتَاذًا صَدِيقًا ، وفى كُلِّ لِقَاءٍ مَعَهُمَا كَانَ حَدِيثُهُمَا :
اَلتَّوَاضُعُ ، وَالسِّحْرُ ..
فى هَذَا السِّيَاقِ يَلْمَعُ بَرْقًا فِي خَوَاطِرِي الآن قَوْل الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" لَا تَرْفَعُونِي فَوْقَ قَدَرِي ، فَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي عَبْدًا قَبْل أَنَّ يتَخَذِّنِىْ رَسُولاً " ..
وَكَانَ السَّيِّدُ المَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ القَائِدُ وَالمُعَلِّمُ لِتَلَامِيذِهِ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَرَدَّدْ لَحْظَةَ أَنَّهُ يَغْسِلُ أَرْجُلَهُمْ وَيَخْدِمُهُمْ ..
دَرْسٌ رَفِيعٌ فِي قِيمَةِ اَلتَّوَاضُعِ ، وَالْعَلوُ ، والسُّمُوّ ..
ولَنَا فِي قِصَّةِ يُوسُفْ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِخْوَتُهُ دُرُوسَ مِنْ التَّوَاضُعِ ؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحْسَنَ إِلى إِخْوَتِهِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَعَفَّا عَنْهُمْ وَأُكْرِمهُمْ - وَالْعَفْوُ مِنْ خَلْقِ المُتَوَاضِعِينَ - وَهُمْ قَدْ أَسَاءُوا إِلَيْهِ قَوْلاً وَفِعْلاً ، وَكَانَ قَادِرًا عَلَى مُعَاقَبَتِهِمْ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ..
كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَخُوهُ بِنْيَامِينْ قَالَ لَهُ : إِنِّي أَنَا أَخُوكَ " يُوسُفْ " ( 69 ) فَجَرَّدَ نَفْسُهُ عَنْ الأَلْقَابِ الوَظِيفِيَّةِ ، وَأَزَالَ عَنْهَا العَظَمَةُ السُّلْطَانِيَّةُ ، وَخَاطَبَهُ بِالصِّفَةِ التى يَشْتَرِكُ فِيهَا مَعَهُ ، وَهِيَ صِفَةُ الأُخُوَّةِ ، فَلَمْ يَقِلْ :
أَنَا العَزِيزُ يُوسُفْ ، وَمَثَّلَ ذَلِكَ قَالَهُ لِبَقِيَّةِ إِخْوَتِهِ قَالُوا :
أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفْ قَالَ أَنَا يُوسُفْ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اَللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اَللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ اَلْمُحْسِنِينَ . " يُوسُفْ " ( 90 ) . فَأَسْقَطَ عَنْ نَفْسِهِ وَصَفَ العَزِيزُ ، وَنَحْوُهُ مِنْ نُعُوتِ اَلْعَظَمَةِ ..
وَفِي قِصَّةِ مُوسَى مَعَ الخُضَرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ دَرَس فِي الخُلُقِ الرَّفِيعِ فَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذُو مَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ عِنْدَ اَللَّهِ تَعَالَى ، وَعِنْدَ اَلنَّاسِ ، فَهُوَ كَلِيمُ اَلرَّحْمَنِ ، وَمِنْ أَوَّلِيٍّ اَلْعَزْمِ مِنْ اَلرُّسُلِ ، وَمُؤَيَّدٌ بِالمُعْجِزَاتِ اَلْبَاهِرَاتِ ، وَأَنْزَلَ اَللَّهُ إِلَيْهِ اَلتَّوْرَاة ، وَكانَ عِنْدَ اَللَّهِ وَجِيهًا ، وَمَعَ ذَلِكَ رَحَلَ إِلى " اَلْخُضَرِ " عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ ، فَتَأَمَّلَ القِيمَةَ فى أَدَبِ اَلتَّوَاضُعِ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ مَعَ مُعَلِّمِهِ الخِضْرْ اَلَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ مَنْزِلَةً وَدَرَجَةً ، فَقْدٌ خَاطَبَهُ هَذَا اَلْخِطَابِ المُتَوَاضِعِ قَائِلاً :
" قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكُ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا " ( اَلْكَهْفُ : 66 ) . فَطَلَبَ مِنْهُ التَّعْلِيمُ بِهَذَا السُّؤَالِ :
" هَلْ أَتْبَعَكَ " ؟
وَفِيهِ مِنْ حُسْنِ الخِطَابِ وَالِاسْتِئْذَانِ مَا فِيهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ تَابِعًا لِلْخُضَرِ فَقَالَ :
" أَتْبَعَكَ " وَهَذَا مِنْ عِظَمِ التَّوَاضُعِ ، ثُمَّ إِنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ جَاهِلاً مُحْتَاجًا إِلى تَعْلِيمِ الخِضْرْ فَقَالَ :
" عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِيَ " وَفِيهِ وَصَفَ لِلْخُضَرِ بِأَنَّهُ أَهْلُ لِتَعْلِيمِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ وَعَدَ مِنْ نَفْسِهِ اَلِالْتِزَامَ بِالطَّاعَةِ وَعَدَمِ العِصْيَانِ فَقَالَ :
" قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اَللَّهُ صَابِرًا وَلَا اَعْصِي لَكَ أَمْرًا " ( اَلْكَهْفُ : 69 ) وَهَذَا مِنْ اَلتَّوَاضُعِ اَلْعَظِيمِ ..
عَلَيْنَا أَنْ نَتَأَسَّى بِهُمْ فِي اَلْخُلُقِ اَلْكَرِيمِ ، ذَلِكَ أَنَّ الأُمَمَ لا تَنْهَضُ إلا بِأَخْلَاقِ مُوَاطِنِيهَا ..
إِذَا عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَيْقِظَ ..
اننا لنْ تَقْضِيَ عَلَى " اَلْغُرُورِ " إِلَّا إِذَا عَرَفْنَا أَنَّ تَفْكِيرَنَا كَانَ ثَمَرَةً فِي بَذْرَةِ غَيْرِنَا ، وَأَنْ التَّوَاضُعَ هُوَ اَلثَّمَرَةُ المُسْتَحَبَّةُ وَالأَكْثَرُ نُضْجًا ..
عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَيْقِظَ ..
أن أَعْمَارُنَا سَائِلَةً ..
وأنه لا توجد مسافة بيننا وبين التراب ، وأننا نَجْىَءْ إِلَى اَلْحَيَاةِ كالمَطَرِ ، وكَالرِّيحِ نُرَحَّل عَنْهَا ..



Italian Trulli