أمراض القادة..  ومخاطر مركزية الإدارة

جريدة البوابة المصرية
جريدة البوابة المصرية
الشهابي:يشيد بقرار الرئيس برفع عدد من المدرحين علي قوائم الإرهاب عبر النيابة العامة محافظ مطروح يفتتح ورشة عمل عن الخطر السيبراني وزير الري: يوجه بالإستفادة من املاك الوزارة يتماشى مع التوجهات العامة للدولة جهاز تنمية المشروعات يطلق النسخة السادسة من معرض "تراثنا" للحرف اليدوية والتراثية 12 ديسمبر المقبل وزيرة التنمية المحلية تشارك في فعاليات إنطلاق النسخة الخامسة من الأسبوع العربي للتنمية المستدامة بجامعة الدول العربية تعرف من عارف علي اسعار الفاكهة جملة اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 تعرف من عارف علي اسعار الاسماك اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 جامعة أسوان تنظم يوم رياضي ضمن مبادرة 100 يوم رياضة وإقامة المباراة النهائية لبطولة دوري الأنشطة الطلابية تعرف من عارف علي مواعيد مبارايات اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 ساعات ويختتم العالم قمة المناخ COP29 بباكو عاصمة أذربيجان تعرف من عارف علي اسعار الخضار اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 تعرف من عارف علي اسعار الذهب اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

أمراض القادة..  ومخاطر مركزية الإدارة

اللواء صبري محمد عبده
اللواء صبري محمد عبده

تستوجب الدراسة العلمية للظواهر ضرورة التأمل والتفسير والتحليل لظاهرة الأمراض التي ترتبط بحياة الإنسان في حاضره ومستقبله.. ألا وهي ظاهرة الأمراض التي تصيب كثير من القيادات الإدارية ممن يتعرضون أثناء تأدية أعمالهم لأمراض وأزمات صحية قد تقعدهم عن العمل، مثل أمراض القلب، وضغط الدم، والجلطات، والقرحة، والسكر.. وغيرها من الأمراض العضوية والنفسية التي أصبحت شائعة الحدوث في عصرنا الحالي.

والتي ارتبطت في أسبابها بكثرة الأعباء والمسئوليات التي تلقي علي عاتق القيادات في مواقع العمل المختلفة بالدولة. وحول أهمية التعرف علي الأسباب - من وجهة النظر الطبية- التي تؤدي إلي الاصابة بمثل تلك الأمراض، وهل هناك إمكانية للوقاية منها ومن آثارها الضارة.

فإن هناك اجماعاً بين الأطباء علي أن الاجهاد في العمل والتوتر النفسي الذي يصيب الإنسان عما من أهم الأسباب التي أدت إلي انتشار هذه الظاهرة.. ولقد جاء التحذير مبكراً في عام 1946 حينما أعلن البروفسير هاتز سلي ومساعدوه في معهد الطب والجراحة التجريبي بجامعة مونتريال بكندا حدوث تغييرات وردود فعل عضوية بجسم الإنسان عقب التعرض للاجهاد المستمر وخاصة "الاجهاد النفسي" والذي سماه بمرض التكيف العام.

ولقد أثبت هاتز سلي أن الاجهاد العضوي والنفسى الحاد والمستمر يؤثر بطريقة غير معروفة حتي الان علي الغدة النخامية التي توجد في قاع المخ فتجعلها تفرز هرموناً منشطا للغدة فوق الكذرية التي تفرز هي بدورها هرموناً آخر يكون له تأثيرات مدمرة مختلفة علي بعض أجزاء الجسم. وحدد الأطباء مجالات تأثير الاجهاد علي أعضاء جسم الانسان في مجالين أساسيين، اولهما أمراض القلب والجهاز الدوري، وثانيهما الأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي، وبالنسبة لأمراض القلب والجهاز الدوري التي يسببها الاجهاد بالانفعالات النفسية المستمرة، فهي علي سبيل المثال وليس الحصر، ارتفاع ضغط الدم، وأمراض الشريان التاجي، وجلطة الوريد، واضطرابات ضربات القلبي والصدمة العصبية.

أما الأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي، فقد أشار الأطباء إلي أنها كثيرة ومتعددة، ومن أهمها قرحة المعدة التي تنشأ نتيجة لزيادة نسبة الحموضة بها، وتقلصات الأمعاء وفقدان الشهية وعصر الهضم، بالاضافة إلي مرض السكر الذي ينشأ أيضاً نتيجة لتزايد إفراد الغدة النخامية في الجسم التي تؤدي بدورها إلي إصابة خلايا غدة البنكرياس التي تفرز مادة الأنسولين الطبيعي اللازم لاحراق كمية السكر بالدم فتوقف افرازها لهذه المادة وينشأ بذلك مرض السكر.

وهكذا يتبين لنا مدي خطورة تلك الأمراض العضوية المترتبة علي الاجهاد المستمر في العمل وما قد يصاحبها من ظهور بعض الأمراض النفسية مثل القلق والصداع المستمر والاكتئاب وغيرها. ولعلنا نتساءل عن الأسباب، من وجهة النظر الإدارية- التي تؤدى إلي حدوث الاجهاد، وهل هناك امكانية للوقاية من تلك الأمراض التي قد يتعرض لها القادة القيادات الادارية! ويجدر الاشارة هنا الي ضرورة التمييز بين نوعين من القادة، علي أساس مدي السلطة التي يحتفظون بها في أيديهم، ومدي المشاركة في عملية اتخاذ القرارات التي بها لمرؤسيهم. فالنوع الأول من القادة هو قائد ديكتاتوري، يتميز بالمركزية الشديدة في اتخاذ القرارات، ويركز جميع السلطات في يديه، ولا يعطي فرصة لاستشارة أي من معاونيه، ويتدخل في الاعمال الروتينية والتفصيلات، ولا يقبل أي آراء أو مقترحات، وينفرد باتخاذ القرارات ولا يعطي لمرؤسيه تفسيراً لها.

أما النوع الثاني من القادة، فهو القائد الديمقراطي الذي لا يركز السلطات في يديه. ويحاول اشراك مرؤسيه في عملية اتخاذ القرارات، ويعطي حرية كاملة لمرؤسيه في ممارسة أعمالهم لتحقيق الاهداف المحددة لهم. وكثيراً ما يتعرض النوع الاول من القادة إلي الاجهاد المستمر في العمل، والي المخاطر التي تترتب عليها فيما بعد، والتي قد تنتهي بهم إلي الاصابة بأحد الامراض العضوية أو النفسية مما يؤثر علي فعالية ممارستهم لوظائفهم الادارية في مجالات التخطيط والتنظيم والتوجيه والاشراف والرقابة وتقويم أداء الأعمال. إن القيادة الناجحة والفعالة هي التي توجه كافة التقسيمات التنظيمية -الاساسية والفرعية- نحو تحقيق هدف مشترك محدد يرتكز علي مجموعة من المبادى الهامة مثل تقسيم العمل والتخصص، تفويض السلطات، تحديد الاختصاصات، تحديد نطاق الإشراف.، وتحديد درجة المركزية واللامركدية في اتخاذ القرارات.. الخ..

تلك هي المباديء التي ينبغي أن يمارسها القادة والتي تعد ركيزة اساسية من ركائز بناء آي تنظيم إداري جيد. ومن ثم فإنه إذا كان الهدف هو العمل علي تجنب مثل تلك الأمراض، واتاحة الفرصة لأكفآ القيادات للنهوض بالعمل المثمير والمنتج في مواقع الانتاج والخدمات المختلفة، فإن ذلك يبرز أهمية قيام كل قائد إداري بإعادة النظر في أسلوب الإدارة الذي تدار به منتظمته، وفي درجة تفويض السلطات الممنوحة لمعاونيه، وفي تحديد وتوزيع الأدوار بينهم، وفي إعداد وتنمية قيادات الصف الثانى، ويفترض لتحقيق هذا الهدف عدة أمور

أبرزها: 1- تطبيق مبدأ اللامركرية الإدارية وتفويض السلطات إلي المستويات الأقل، وإقامة نظام اتصالات فعال يربط بين القادة ووحدات العمل الفرعية، والتركيز علي محاسبة المرؤسين عن تحقيق الاهداف والنتائج وعدم التدخل في الاعمال الروتينية المتكررة.

2- تنظيم الوقت خلال ساعات العمل الرسمية والحد من المقابلات - وخاصة الشخصية- ووضع قواعد منظمة لها تكفل توافر وقت كاف للقادة وكبار المسئولين يمكنهم من التخطيط الجيد والمتابعة والدراسة المتأنية للمشاكل التي تواجه أداء أعمالهم.

3- الاختيار الجيد للقيادات المعاونة ممن تتوافر فيهم الجدارة وتحمل المسئولية والقدرة والنزاهة والحزم والحرص علي المصلحة العامة، ويرتبط بذلك ضرورة مساندة هؤلاء المعاونين ومنحهم السلطات الكافية لتقرير الحوافز وتوقيع العقوبات.

4- تطبيق مبدأ المشاركة في اتخاذ القرارات علي أساس المشاركة في إبدأ الرأي من القيادات التي تشغل مراكر رئيسية معاونة، وبذلك يستفيد القائد بوجهات النظر المختلفة مما يساعده علي اتخاذ القرار الصحيح.

5- إعداد وتنمية الرجل الثاني ليحل محل القائد أثناء غيابه، ويتطلب ذلك ضرورة تأهيل هذا الرجل واحاطته بالمعلومات اللازمة التي تتعلق بجميع الظروف المحيطة بالعمل، ومساعدته وتدريبه علي المشاركة الفعلية في عملية اتخاذ القرارات.

6- وضع نظام لاجراء فحوص طبية شاملة ودورية لجميع القيادات التي تجاوزت سن الاربعين، مع ضرورة حصولهم علي قسط وافر من الراحة الاسبوعية ومن الاجازات السنوية، لكي يتجدد فيها نشاطهم العضوي والنفسي بعيداً عن مؤثرات وضغوط العمل اليومية.

وأخيراً فإننا نشير إلي أن ركب الحياة لا يتوقف عندما يتغيب عنه أحد.. وأن مركزية السلطة، والاجهاد المستمر في العمل، وعدم تجنب الانفعالات النفسية، لها أثارها الضارة التي تنعكس علي الشخص نفسه، وعلي المنظمة التي يعمل بها.. ومن هنا فإنه ينبغي علي القيادات الادارية أن تحرص كل الحرص علي مراعاة الاعتبارات السابقة. وأن تعمل علي توفير مناخ العمل الاداري الذي يجنبهم مخاطر مركزية الادارة.



Italian Trulli