مقالات
عبد الفتاح مطاوع يفضح خرافات العقلية الاثيوبية
الدكتور عبد الفتاح مطاوعوصلتني رسالة من صديق عزيز يشاركني الاهتمام بقضية سد النهضة الأثيوبي ومفاوضاته، والوساطات الدولية والأفريقية بين مصر والسودان وإثيوبيا، تلك التي وصلت الآن إلى طريق مسدود، وأصبحت لدىّ قناعة شبه مؤكدة الآن، ومنذ انتهاء مفاوضات واشنطن، بأن على كل من مصر والسودان إيجاد الحل، والذي يتلخص في المثل العربي القائل: “بيدي لا بيد عمرو”.
رسالة الصديق التي وصلتني، كان ملحقاً بها مقال للسيد تيجيجن ورك جيتو تحت عنوان: “فهم السياسة الخارجية المصرية وإيحاءات لأجل إثيوبيا” هذا المقال كان قد تم نشره في ملتقى تحت عنوان “نظير إلى نظير” أو (الند للند) بتاريخ ١٦ أبريل ٢٠٢١.
كاتب المقال:
وكاتب المقال أثيوبي الجنسية، وكان يعمل في السابق وكيلاً للسكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ومديراً مساعداً للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة منذ عامين، ومن الواضح من الاسم أن أصوله من إقليم التيجراي، وغير معروف مكان إقامته الحالي، وبمراجعة تاريخه وسمعته بالأمم المتحدة تبين أنها تشوبها الكثير من الشوائب، وأمثاله في المنظمة ممن يجعلوا صورتها تبدو (سيئة).
الغريب فى هذه الشخصية، أنها على الرغم مما أتيح لها من فرص عديدة للرقي والتحضر والتمدن، إلا أن صاحبها ظل متشرنقاً في أفكاره وآرائه وشخصيته، وكأنه لم يخرج يوماً من الكهف الذى ولد فيه، متنقلاً بين كهوف صنعها لنفسه وهو في المدينة وفي الأمم المتحدة التي يجب أن تحاسب على صناعاتها وسمعتها ومكانتها.
ملخص المقال:
دونما ترجمة حرفية للمقال المكون من ست صفحات، لك أن تتخيل عزيزي القارئ كم الهجوم على مصر وقادتها وشعبها وإنجازاتها بطريقة كلها حقد وكراهية، ثم حالة من الرعب تتملك كاتب المقال في النهاية، الرعب والفزع مما يمكن أن تصنعه مصر في الأيام والأسابيع القادمة، من أجل الحفاظ على سر وجودها وحقوقها في مياه نهر النيل.
ترجمة الجملة الأولى فى بداية المقال تقول: “اعتمد حكام مصر في سياستهم الخارجية على الزبائن الأجانب، وعلى سلوك البحث عن طريقة لتقوية وضعهم الجيو استراتيجي، وتقوية موقفهم نظير الحصول على (أجرة أو سمسرة)”، وكان ملخص الجزء الأخير من المقال: أن “هذه السياسة لن تجدي، وعلى الأخص مع إثيوبيا، سواء بقرع طبول التهديدات العسكرية التي قد تحقق نتائج على المدى القصير ومصائب على المدى الطويل، فإن أثيوبيا قادرة على الإتيان باستراتيجية ضد المحاولات المصرية للعدوان أو تقليب الداخل، لأن هذا سيكلف إثيوبيا ومصر الكثير، وعلى مصر التفكير مرتين، فالتحديات أمام مصر وإثيوبيا كثيرة، والبحث عن عدو خارجي لتشتيت الانتباه ليس هو الحل، ثم يطلق نصيحته الغامضة بقوله: “لابد للدولتين من التعاون بدلاً من محاولة بيع الثلج فى بلاد الإسكيمو، مصر تفقد الوقت وتهدر العشب وإثيوبيا تتأثر بإيحاءات السياسة المصرية.”
قراءة ساذجة للتاريخ
عند قراءة كل المقال تجد – عزيزى القارئ – العديد من المغالطات، ومن محاولات لي الحقائق والافتراءات وخلط الأوراق، ولا يمكن تصور مقال من ست صفحات يتناول مجمل السياسة الخارجية المصرية على مدى سبعة عقود من الزمان، ولا يجد بها حسنة واحدة أو كرامة، ولا قيمة عند كاتب المقال لما تحملته مصر من حروب لطرد المستعمر، ولا لتحرير أراضيها المغتصبة، ولا في حربها الداخلية ضد جماعة الإخوان الإرهابية، ولا في معاركها التنموية.
كل هذه الانجازات، وسعي مصر التاريخي لتقوية وضعها الجيوستراتيجي (وفقاً لتعبيرات الكاتب الإثيوبي جيتو)، ليست سوى سعي من مصر للحصول على (أجرة أو سمسرة) لكي تقوي مصر من مواقفها.
و لك أن تتخيل – عزيزى القارئ – عندما يتصور كاتب المقال أن وقوف الجيش المصري بجانب الشعب في ثورة ٣٠ يونيو لإزاحة الجماعة الإرهابية هو بمثابة موقف سيئ من الديموقراطية و حقوق الإنسان ومحاولة للحصول على (أجرة) من دول الجوار.
و يعتبر أن موقف الجامعة العربية من سد النهضة يمثل تهديداً لإثيوبيا، في حين أن إثيوبيا عنده ليست جمهورية موز.
كما تم حشر تعاون مصر مع دول العالم، في الحرب ضد الإرهاب في مصر وليبيا وغزة وسيناء والقرن الإفريقي، باعتبار أن هدفه حشد المجتمع الدولي للضغط على إثيوبيا للحصول على تنازلات منها فى قضية سد النهضة(!!) وتلك السياسة لن تجدي.
كما لم يظهر المؤلف حياءً، في هجومه على دولة السودان الشقيقة، وحشر قضية جوليان ريجيني، وعلاقة مصر بالصين وروسيا وإيران ودول الخليج، إلى آخره.
ما بين سطور المقال:
من الواضح أن نهاية آبى أحمد على الأبواب، ويحاول كاتب المقال عرض نفسه على الداخل الأثيوبي والمجتمع الدولي، بأنه يصلح خليفة بعد سقوط آبي الوشيك، وذلك من خلال الباب الملكي الذي يتصور أنه يمر من خلاله لاعتلاء السلطة في إثيوبيا، بالهجوم على مصر وكراهية مصر وإثبات أنه ملكيٌ أكثر من الملك.
الجانب الأخر فى المقال، هو استشعار كاتبه بأن مصر بكل تأكيد ستكسب الجولة القادمة فى قضية سد النهضة، و لذلك فهو يرتعد لأن سياسة التعنت الأثيوبي لم تحقق رغبات إثيوبيا، وأن المصريين لن يهدأ لهم بال إلا بحسم هذه القضية خلال الأسابيع إن لم يكن خلال الأيام القادمة، عندها تتحول آمال الملء القادم إلى سراب.
وبناء عليه:
فإن العقل الأثيوبي المتعنت يكشف كل يوم عن طريقة تفكيره المتعنتة، التي لا تراعي إلا المصالح الضيقة والمتخلفة للسياسيين، الذين يصنعون سياستها المتعنتة، بالدخول في معارك وهمية وطموحات أكبر بكثير من الإمكانيات، وإن غداً لناظره قريب.
لقد انتهى زمن الإيحاءات، والمرحلة القادمة هي مرحلة الحسم في قضية حقوق مصيرية وجودية، وكلنا ثقة في المؤسسة العسكرية المصرية، ومؤسسات الدولة، والقيادة السياسية الوطنية، في الحفاظ على حقوق مصر ووجودها ومياه نهر النيل.
الدكتور عبد الفتاح مطاوع رئيس هيئة مياه النيل سابقا
نقلا عن جريدة الأهالي