المرأة والصحة
دور المرأه المصريه في حرب أكتوبر المجيد
غاده منصور
تاريخ المرأة المصرية حافل بالنضالات منذ فجر التاريخ إلا أننا وبينما تمر علينا غدا الذكرى الـ 44 لحرب أكتوبر المجيدة لا بد وأن نذكر الدور الذي قامت به المرأة المصرية فقد قامت بأدوار بطولية بداية من كونها أم البطل وزوجة الشهيد ولكن ليس ذلك فحسب المرأة في السويس تحملت كثيرا أثناء حرب أكتوبر فهي التي دفعت بالابن والزوج علي خطوط الجبهة. وهي التي هجرت من وطنها بسبب الاحتلال، وهي التي شاركت في سنوات الحصار علي السويس وكانت مثابرة ولم تهزل وتنحني من غدر العدو، بل إنها غرست الصبر والمثابرة والتحمل في نفوس أولادها لخلق جيل جديد قادر علي العطاء ومواجهة التحديات.
الست فاطوم وفلاحة فايد
كما أن بعض النساء شاركن في المقاومة الشعبية بالسويس.الست فاطوم ، تلك المرأة المصرية العظيمة التي لم تكن تملك من الدنيا سوى عشر دجاجات ذبحتها كلها لرجال المقاومة ، وكانت تعمل ، قدر استطاعتها ، رغم القصف الشديد - على نقل الذخيرة وتضميد جراح الأبطال الشجعان
أما فلاحة فايد فقد كلفها أحد الضباط أن تذهب إلى مكان تمركز آليات العدو ومجنزراته تختبئ بين الأشجار الكثيفة في منطقة فايد وسرابيوم ويريد أن تسبق خطته استطلاع جيد تقوم به هذه الفلاحة. وتصوروا ماذا فعلت القروية المصرية؟ حملت ابنتها على كتفها زيادة في التمويه على العدو لتستطيع أن تؤدي مهمتها بكفاءة.
الحكيمة إصلاح محمد علي
أطباء وهيئة تمريض مستشفى السويس الأميري بقوا يزودون عن مدينتهم ويقاومون محاولات العدو الاسرائيلي لاقتحام المدينة. ورغم وجود حوالي 200 سرير في المستشفى يخدمها طاقم من 20 طبيبا و 78 ممرضة فقط ظلوا يعملون 24 ساعة يوميا أثناء المعارك وما بعدها. تقول الحكيمة (إصلاح محمد) من القاهرة : "لم نكن نخشى شيئا، وفي بعض الظروف حين تقل إمدادات الدم كنا نتبرع بدمائنا للجرحى" ..
مثلت فترة ما بعد نكسة 1967 معاناة كبيرة شاركت فيها المرأة السيناوية وكان لها دور فعال وايجابي في المقاومة بجانب الرجل والمرأة البدوية كان لها أثر فعال في حرب أكتوبر فهي التي قامت بتهريب الفدائيين وعلاجهم ومساعدتهم في الوصول الي الأراضي المصرية عقب طرق لم يعرفها العدو رغم أن تلك المرأة لم تتعلم ولم تدرب ولكن بفطرة الانتماء وحب الوطن دافعت عن أرضها في مواجهة العدو.
وعلي مدار اثني عشرعاماً من الاحتلال لم يستطع العدو الاسرائيلي التغلغل داخل كيان أهل سيناء أو تجنيد أحد أبنائها لأن المرأة المصرية زرعت في نفوس أطفالها عن طريقة تربيتها لهم حب الوطن وعندما أراد العدو الصهيوني "تدويل سيناء" من خلال مؤتمر دولي في الحسنة وقف جميع أهل سيناء رجال ونساء قالوا "ان باطن الأرض خير لنا من ظهرها اذا تخلينا عن مصر أو فرطنا في سيناء...".
وقد شاركت المرأة المصرية في حرب أكتوبر 1973 من خلال مقار التنظيم النسائى والجمعيات النسائية الاهلية في خدمة أسر الشهداء والجرحى وفي بث الحملات الإعلامية للتطوع في التمريض والتبرع بالدم وفي تدعيم الجبهة الداخلية . كما تكونت (لجنة صديقات القلم) لترجمة كل ما يكتب عن القضية المصرية وإرساله لمختلف الإتحادات والمنظمات النسائية في العالم لإعلام المرأة في العالم بحقيقة ما يدور في الشرق الأوسط .
وعلى الرغم من معاناة المرأة من تدني الأوضاع سواء صحيا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو سياحيا وهذا لظروف البلد أثناء إعدادها للحرب ووقت الحرب ولكن رغم ذلك كانت علي أعلي مستوي في الجبهة الداخلية فأثناء الحرب عملت بالمستشفيات من خلال الهلال الأحمر ووقفت بجانب الجنود المصابين والمعاقين تساندهم وتضمد جراحهم بالاضافة إلي أن المرأة في موقع القيادة في هذا الوقت وزوجات المسئولين أو الوزراء والضباط قمن بجمع التبرعات وشراء ملابس وبطاطين وكافة احتياجات الأسرة وتوزيعها علي الأسر التي فقدت العائل بالاستشهاد في الحرب أو الإصابة.
معامل الدم خلال هذه الفترة في الإسكندرية والقاهرة وأسيوط والمنصورة امتلأت بأكياس الدم من المتبرعين ولم يعد هناك إمكانية لقبول متبرعين جدد.
وعندما بدأت لجان جمع تبرعات المجهود الحربي كانت أسر فقيرة كثيرة تتبرع بكل مخزونها من الأرز والقمح والذرة. وشاهد البعض سيدةً عجوزاً تتبرع "بحلة نحاس" وطفلةً تتبرع بحلق ذهب في أذنها. وأطفالاً يتبرعون بما تضمه "الحصالة" من قروش قليلة جداً!!..
كان المشهد رائعاً جداً... الكل يريد أن يجود بأي شيء تملكه أو تطوله يده من أجل المجهود الحربي.. الشهداء الابرار تركوا من ورائهم زوجات في سن الشباب وأبناء في عمر الزهور. شكرية زكي خلة مثال للزوجة الصابرة التي كافحت لتربية أولادها بعد استشهاد زوجها في حرب اكتوبر 1973، قالت: استشهد زوجي صبحي مرزوق رزق في 17 اكتوبر 1973 في منطقة القنطرة شرق في الجيش الثاني الميداني حيث انضم إلي القوات المسلحة خلال فترة الاحتياط الخاصة وهو خريج تربية رياضية.. بعد استشهاده مضت الحياة بي أنا وأولاده مجدي وكان عمره عامين وأشرف وكان عمره عاما واحدا وهو معاق.
زوجة الشهيد
سهير أحمد حافظ زوجة الشهيد مدحت عبداللطيف مكي وكان نقيبا في القوات المسلحة ومنح رتبة استثنائية لرتبة الرائد وكان يخدم في سلاح المشاة.. واستشهد في العاشر من اكتوبر 1973 في منطقة القنطرة بعد عبوره إلي الشرق بعد أن مضي علي زواجنا ستة أشهر وكانت إجازاته 3 أيام فقط قبل الحرب بعشرة أيام حيث جاءنا ليلاً وغادر بعدها المنزل وشعرت أنني لن أراه. بالفعل تحقق احساسي واستشهد زوجي ، وانتقلت إلي القاهرة وحصلت علي بكالوريوس تجارة من جامعة القاهرة ، ثم حصلت علي دبلوم في الإدارة العامة ، وعملت مدرسة في معهد اعداد الفنيين التجاريين بالروضة والذي أصبح بعد ذلك جامعة حلوان ، ثم تركت العمل وتطوعت في الهلال الأحمر المصري الذي وهبته حياتي ، وخصصت مجهودي للعمل التطوعي لأنني لم أنجب من زوجي. وقد شاهدت زوجي في أكثر من رؤيا يخبرني بأنه لم يمت.
أما السيدة علية حامد الشطوى من مناضلات بورسعيد ، كانت فى عام 56 تدرس بالقاهرة ومع تزايد الاحتمالات بعدوان قوى الاستعمار على مصر ، جاءت الأوامر بعودة الطلاب المغتربين إلى بلدانهم ، ليكونوا بجوار أهليهم ، عادت إلى والدها تخبره أنهم طلبوا منهم العودة والتطوع فى أى عمل ، وهذا لم يحدث ,, لأنها كانت تود أن تشارك فى الذود عن وطنها بأى خدمة تقدمها .. ، تقدمت إلى مدير الصحة د . محمود حجاج وأبدت رغبتها فى التطوع ، أرسلها بدوره إلى المستشفى العسكرى ، توجهت إلى المقدم الطبيب قائد المستشفى ، ورحبوا بها ضمن فريق العمل ،
وحينما حدث انزال فى منطقة الجميل والجبانات كانت سيارات الإسعاف تأتى بالمصابين ، تتوجه وتأخذ الأسلحة وتلقيها بالسيارة لتحملها إلى المقاومين المتمركزين بين المقابر ..
وفى الظهيرة بدأ العدو الضرب على المستشفى نفسه رغم أن القانون الدولى يحرم ضرب المستشفيات ، كما تم قصف المستشفى ليلاً ومع أول ضوء بدأ الناس فى إخلاء المستشفى وأعطاها قائمقام بطانية وخوذة ، لا زالت تحتفظ بتلك الخوذة إلى اليوم ، أعطاها البطانية والخوذة وقال لها كى تغادر لأن المستشفى (( حاتتضرب )) ، أما هو فلا يقوى على السير لأنه أصيب بكسر ، غادرت المستشفى العسكرى وفى طريقها كما الجميع إلى المستشفى الأميرى ، شاهدت رجل وطفل يمسكان لمبة سهارى قادمين باتجاهها ، إنهما والدها وأخيها الأصغر جاءا باحثين عنها بعد أن علموا أن المستشفى تم ضربها ، هرعوا يبحثون عن جثتها فإذ بهم يلتقونها فى الطريق .. وكانت فرحة اللقاء .
أخذها والدها لأقرب مكان من المستشفى الأميرى بيت خالتها وشدد على ألا تنتقل ابنته من المكان ..
بعد أيام علمت أن قطار حربى سينقل المصابين إلى القاهرة لتلقى العلاج هناك فى مستشفى غمرة العسكرى ، ركبت القطار لتساعد فى نقل المصابين ، ألتقت عيناها بلافتة عريضة كتب عليها : (( نحن لا نسألك عن دينك أو جنسيتك أو هويتك ولكن نسألك عن مرضك )) ، فالطبيب طبيب إنسان مهما كان دينه أو جنسيته ..
عادت آخر النهار مع سيارات الإسعاف وكانت تناوب فى المستشفى الأميرى ، تتذكر رئيسة المستشفى اليوغوسلافية (( ميرى جوزيف )) ، شاهدت بعينيها ما كان يعانيه الأطباء وأطقم المستشفيات فى ذلك الحين ، سجادة واحدة أستلقى عليها 20 طبيب بجوار بعضهم من شدة الإرهاق الذى نال منهم ..
وبعد هزيمة 67 كانت مسئولة فى لجنة التهجير والإغاثة ، المنوط بها تهجير أهل بورسعيد المحتمل أن تتعرض للقصف ، كانت مسئولة عن جمع الناس وتسكينهم فى المدارس ، أما لجنة الإيواء فكان مهمتها إيواء الناس وجلب الملابس والطعام لهم ، وكانت المطاعم فى بورسعيد تتعاون معهم وتمنحهم الطعام بالمجان لتوزيعها على القادمين من بورفؤاد ..
ثم تولت مسئولية لجنة التهجير فى رأس البر ، ألتقت بالمحافظ والسكرتير وبدأت الترتيبات لاستقبال أهالى بورسعيد الذين جاءوا بأمتعتهم و كان لكل أسرة عشة معروف رقمها مسبقاً حيث يتم إبلاغ الأسرة أن مكانهم عشة رقم ... ، حتى انتظمت الأمور فى التهجير وعادت إلى بورسعيد ..
تتذكر الرائد عونى عازر والنقيب محمد وقد أعدت لهم الشاى والقهوة وفى تلك الأثناء توجه الاثنان لمعرفة ما يجرى ، قامت المدمرة إيلات بالضرب على لنشاتهم واستشهد الاثنان ..
وحينما علمت باستشهادهما .. أنهارت وسقطت فى الموقع ..
ولا تغادر الذاكرة كلمات والدة الشهيد النقيب طيار (( صبحى الشيخ )) ،، إنها السيدة فردوس فرحات ،، تلك السيدة العظيمة التى استشهد وحيدها فى ضربة السيطرة 6 أكتوبر 73
حينما جاء أحد المقاتلين ليقدم (( للسيدة فردوس )) أم البطل ليقدم لها كلمات العزاء ونزلت دمعة من عينيه وهو يتحدث عن صبحى ، وقالت الأم :
(( لا تحزن أيها الضابط من أجل ولدى ، لقد حقق الله أمانيه كلها منذ أعتاد الصلاة والتحدث إليه قبل أن ينام ، لقد عاش وحيداً وكان الله بجانبه دائماً ، فراح ينجح ويتفوق فى كل مراحل دراسته ، ويشفى من أمراضه قبل أن أجمع نقود العلاج ، وفى معارك 1970 قال لى صبحى (( أن الله رفض أن يكرمه بالشهادة ولما قلت له ، وهل تتركنى وحدى قال مندهشاً :
(( إن الله لن يتركك ، بل إن أعظم تكريم لقصة كفاحك معى ، يهديه الله لك ، إذا قبلنى بين عداد الشهداء .. ))
ولقد كرمت الدولة أم البطل ، ووقف القائد الأعلى للقوات المسلحة يرفع أمامها يده بالتحية العسكرية حين نودى اسم ولدها فى مجلس الشعب ، صبحى على الشيخ .... واحد من رواد القدرات الخارقة ، حماة مصر وعشاقها ..
نعم تلك هى الأم المصرية جاء يعزيها فى ولدها الوحيد الذى كرست حياتها من أجله ، فإذ بها تعزيه وتقول له (( لا تحزن )) ..
لا تفارق عقلها ذكريات سنوات أفنت عمرها فدا ولدها الوحيد ، لحظة التخرج ، وفرحة لا تضاهى ... ولحظة الاستشهاد ، وقت أن نال إحدى الحسنيين ، ونالت هى كما قال الشهيد :
(( أعظم تكريم من الله )) ..
بدويات سيناء
لم تكن المرأة البدوية في سيناء مجرد راعية للأغنام وأم للأولاد فحسب، بل كان فيهن المناضلات المحاربات، اللذين وقفوا كالرجال أمام آلة الحرب الإسرائيلية، فكانت البدويات يساهمن بشكل خفي في توصيل السلاح والقنابل والمتفجرات للجنود المصريين، بل الأكثر من ذلك كن يزرعن بـنفسهن الألغام في أراضي سيناء من أجل تدمير العدو إن حاول الاقتراب.
وكانت من ضمن شجاعة المرأة البدوية التي لم تختلط أبداً بالرجال من قبل أمر غريب عندما أقمن معسكر تدريبي قبيل حرب أكتوبر المجيدة، ليتعلمن فيه كيفية إشعال فتيل القنبلة، وكيفية زرع الألغام كما تدربن على إطلاق الرصاص تحسباً للحرب التي كانت متوقعة بين ليلة وضحاها.
هذا، وكانت المرأة البدوية أيضاً من أهم وسائل الاتصال بين قيادات الجيش في القاهرة وبين جنودنا البواسل في سيناء، وتم استخدام بدويات سيناء في توصيل الرسائل والمعلومات لجنود الجيش خلال فترة الحرب، حفاظاًَ على سرية المعلومات وخشية وقوعها في يد جواسيس.
وأخيراً، كانت بدويات سيناء يتركن أطفالهن أيام وليالي طويلة، ويذهبن للجبهة لتوزيع الخبز والدقيق على جنود الجيش الأبطال، ويرعون الجرحى إن لزم الأمر في مناخ من الوئام والمحبة والوطنية الشديدة .. هكذا تكون المرأة المصرية.
وقف المرأة إلى جانب الرجال تبنى معهم حائط الصواريخ فقد عملت الفلاحة المصرية تحت قصف القنابل الإسرائيلية فى بناء الدشم ، ولم تتراجع أو تخف ، كانت قوية صامدة تعى دورها وما يقوم به أولادها وزوجها من أجل سلامة مصر .
ومن هنا كانت مشارك أساسى فى بناء حائط البطولات ، ليس البناء المادى فحسب وإنما البطولة بكل معانيها ... فهو الحائط الذى بنى بدماء آلاف من رجال وسيدات مصر عمالاً وفلاحين ... هو الحائط الذى صد التخاذل أو محاولة فرض الأمر الواقع .. وهو الحائط الذى جعل طائرات الفانتوم تتساقط كما الذباب .. وفى معارك الثغرة وقفت تقدم الماء والطعام للجنود ،، بدون استدعاء