مقالات
ايمن سعيد يكتب ..ابن كثير المكي شمس القراء العشرة
ايمن سعيدكلما تعلق قلبي بتعلم رواية من الروايات القرآنية العشر المتواترة ظننت أنه يكفيني أنني أعرفها وأقرأ بها القرآن الكريم، وكانت كل رواية تزيدني علما ومعرفة ونورا بكشف ما كنت أجهله، وبمجرد أن أتعلم هذه الرواية وأقرأ بها، أجدني منجذبا لأتعلم غيرها، وأقرأ بها؛ فهي رحلة الجمال والمتعة، خاصة لمن يملك أدواته -أولًا- في اللغة العربية، سيجد متعة ما بعدها متعة، وهل هناك أجمل وأعظم من كلام رب العالمين؟
واليوم نعيش في رحاب القارئ الثاني من أئمة القراءات العشر المتواترة، وهو عبد الله بن كثير المكي، قارئ مكة المكرمة، المولود بها سنة 45 هجريًّا، والمتوفى بها سنة 120 هجريًّا، ومشهور بقراءة ابن كثير المكي، وهو ممن يقرأ بصلة ميم الجمع، وله روايان مشهوران يرويان عنه؛ هما: الأول: البزِّي، والثاني: قُنبل، وكلٌ منهما يتشابه مع أخيه في أمور، ويختلف في أمور.
وقد جاء في متن الشاطبية المسمى حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع قول الناظم:
ومكة عبد الله فيها مقامه
هو ابن كثير كاثر القوم معتلى
روى أحمد البزِّي له ومحمدٌ
على سند وهو الملقب قُنبلا
وجاء في متن طيبة النشر في القراءات العشر لابن الجزري قوله:
وابن كثير مكةٌ له بلد
بزٍّ وقُنبلٌ له على سند
صفات ابن كثير المكي:
كان عالما من علماء اللغة العربية، فصيحا بليغا مفوها، مطمئن النفس، ذا هيبة ووقار، اجتمع الناس على أنه قارئ مكة حتى مات، قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو البصري: قرأت على ابن كثير؟ قال: نعم ختمت على ابن كثير بعد ما ختمت على مجاهد، وكان ابن كثير أعلم بالعربية من مجاهد. وأما عن هيئته؛ فقد كان طويلا جسيما، أسمر أشهل العينين -امتزج سوادها بزرقة أو حمرة، أبيض اللحية، يخضب بالحناء.
من انفرادات ابن كثير في القراءات:
- "فتلقى آدمَ من ربه كلماتٌ..."، بنصب آدم ورفع كلماتٌ- "وما الله بغافل عما يعملون أفتطمعون..." بياء تعملون بدلا من التاء- "وأيدناه بروح القدْس" بإسكان الدال بدلا من ضمها- "قل من كان عدوا لجَبريل..."، بفتح الجيم بدلا من كسرها- "إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف" بهمزة عادية (أتيتم)- "قل إن الهدى هدى الله أأن يؤتى أحد"، بهمزتين (أأن)- "وكائن من آية في السماوات والأرض يمرون عليها" بهمزة كائن بدلا من الياء"- "قل إن الله قادر أن يُنْزِلَ آية" بزاي مفردة مكسورة مسبوقة بنون ساكنة بدلا من (ينَزِّل)-
- "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيْقًا" بالياء المفردة الساكنة بدلا من المشددة- "كأنما يصعد في السماء" بإسكان الصاد والعين المفتوحة- "وأعد لهم جنات تجري من تحتِها الأنهار" بزيادة (من) وكسر تاء تحتها- "لقد كان في يوسف وإخوته آية للسائلين" آية بالإفراد- "وغلقت الأبواب وقالت هَيْتُ لك" بفتح الهاء وإسكان الياء وضم التاء- "وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث نشاء" بالنون بدلا من الياء- "ومناءة الثالثة الأخرى" بهمزة بعد الألف- "تبت يدا أبي لهْب وتب" بإسكان الهاء.
نماذج من اختلاف راويي ابن كثير من العشر الصغرى:
- كلمة (خطوات): قرأها البزي بإسكان الطاء(خطْوات)، وقرأها قنبل بضمها (خطُوات).
- مواضع (لا+ الفعل المبدؤ بالتاء) قرأها البزي بالمد مع تشديد الحرف التالي لها(لآ تّيمموا)، وقرأها قنبل بالمد الطبيعي وتخفيف الحرف التالي لها، وهي مواضع كثيرة عددها (31)، وعرفت بـ (تاءات البزي).
- "يا رب إن قومي اتخذوا هذا القران مهجورا" قرأ البزي بفتح ياء (قوميَ)، وقرأها قنبل بالإسكان (قومي).
- "كأنهم خشب مسندة" قرأها البزي (خُشُبٌ) بضم الشين، وقرأها قنبل بإسكان الشين (خُشْبٌ).
- "لكم دينكم ولي دين" قرأها قنبل بإسكان ياء (لي)، وقرأها البزي بوجهين بالإسكان والفتح.
وسيظل كلام الله خير الكلام، وباقيا ما بقيت السموات والأرض، نتذوق حلاوته بقراءاته العشر، أصولا وفرشا، في ضوء من نقله لنا أئمة القراءات بالسند المتواتر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم. وقد دعا الشاطبي لأئمة القرآن فقال:
جزى الله بالخيرات عنا أئمة..لنا نقلوا القران عذبا وسلسلا