أخبار
قافلة الأوقاف: الإسلام بنى دولة وجعل حمايتها مسئولية مشتركة
سعد الحلوانيانطلقت القافلة الدعوية الثامنة عشرة المشتركة بين علماء الأزهر ووزارة الأوقاف، اليوم الجمعة، إلى محافظة القاهرة إدارة أوقاف القاهرة الجديدة، لأداء خطبة الجمعة، تحت عنوان: "حماية الشأن العام والمصلحة العامة "، وذلك في إطار التعاون المشترك والمثمر بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف من أجل تصحيح المفاهيم الخاطئة، ونشر الفكر الوسطي المستنير، وبيان يسر وسماحة الإسلام، ونشر مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية، وترسيخ أسس التعايش السلمي بين الناس جميعًا.
ومن على منبر مسجد (الصحابة) بالتجمع الثالث أكد د/ عطا عبد العاطي السنباطي الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الإسلام بنى دولة حقيقية، أرسى قواعدها، وجعل لها مقوماتها، وحث على الحفاظ عليها، والزود عنها، وجعل حماية شأنها العام والاهتمام به مسئولية مشتركة بين جميع أفرادها، وكلما زاد الوعي بين أبناء المجتمع بقيمة الشأن العام وخطورته، زاد التعاون والتكاتف والترابط من أجل الحفاظ عليه، فتتحقق للمجتمع قوة البنيان الواحد، وشعور الجسد الواحد الذي حث عليه نبينا (صلى الله عليه وسلم)، حيث قال: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ"، وقال (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
ومن على منبر مسجد ( الكريم ) بالتجمع الثالث أكد د/ صلاح السيد محمد عضو مجمع البحوث الإسلامية أن المصلحة العامة تشمل كل ما يحقق إقامة الحياة للمجتمع بأسره من أمور مادية، ومعنوية، تجلب الخير والنفع للناس، وتدفع عنهم الشرور والمفاسد، وتحقق حماية الوطن، واستقراره، وسلامة أراضيه، ولا شك أن تحقيق صلاح الأمة وعموم المجتمع هو ما يقتضيه فقه الأولويات، ولقد أكد القرآن الكريم أن الحفاظ على المصلحة العامة، وتقديمها على المصالح الخاصة هو منهاج الرسل والأنبياء جميعًا، فلم يرسل الله (عز وجل) نبيًّا ولا رسولًا إلا لإسعاد قومه، وتحقيق الخير لهم، دون مقابل مادي، أو منفعة دنيوية، قال تعالى على لسان نبيه نوح (عليه السلام): "وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ"، وقال سبحانه على لسان نبيه هود (عليه السلام): "يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ"، وقال تعالى على لسان سيدنا شعيب (عليه السلام): "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"
ومن على منبر مسجد (النور) بالتجمع الثالث أكد الشيخ / سيد ذكري حسن حسين عضو مجمع البحوث الإسلامية أن الشرع الحنيف جاء بما يتوافق مع العقل، ويتناسب معه، فرغب في أمور من شأنها أن تحقق المصلحة العامة لجميع أبناء الوطن، منها تلبية حاجات المجتمع الضرورية، ومراعاة فقه الواقع، فإن كانت حاجة المجتمع إلى بناء المستشفيات، وتجهيزها لعلاج الفقراء ورعايتهم، فالأولوية لذلك، وإن كانت حاجة المجتمع لبناء المدارس والمعاهد، وصيانتها، وتجهيزها، والإنفاق على طلاب العلم، ورعايتهم، فالأولوية لذلك، وإن كانت الحاجة ماسة لتيسير زواج المعسرين، وسداد الدَّين عن المدينين، وتفريج كَرب الغارمين، فالأولوية لذلك، فقضاء حوائج الناس والقيام بمتطلبات حياتهم من الواجبات الشرعية والوطنية، يقول (صلى الله عليه وسلم): "مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ، وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ".
ومن على منبر مسجد (طيبة) بالتجمع الخامس أكد د/ محمد عبد العزيز الصفتي بالديوان العام لوزارة الأوقاف أن حرمة المال العام أشد من حرمة المال الخاص ؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، ولذلك حذر الإسلام من إتلافه، أو سرقته، أو الإضرار به، قال تعالى:"وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفي كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ"، فالمال العام مِلْكٌ للناس جميعًا، وليس مِلْكًا لفِئَة معيَّنة منهم، والقائمون عليه إنَّما هم أُمَناء في حِفْظه، وتحصيله، وصَرْفه لأهْله، فلا يحلُّ لأحدٍ أن يعتديَ عليه، أو يأخُذَ منه ما لا يستحقُّ، لأن ذلك يعد خيانة وظُلمًا ؛ وأكلًا لأموال الناس بالباطل.
ومن على منبر مسجد (زاوية الرسول) بالتجمع الأول أكد د/ بدري مرسي نور محمد بالديوان العام أن الإسلام أمر بالحفاظ على المرافق العامة، كدور العبادة، والمدارس، والمستشفيات، والحدائق، وغيرها، حيث إنها ملك للجميع، ونفعها يعود على الجميع، وحذَّر أشد التحذير من الاعتداء عليها، أو تضييعها، أو إفسادها بأي صورة من الصور، يقول الحق سبحانه: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} ؛ حتى لا يتوهم بعض الناس أنه يجوز له أن يستغل المِلك العام بالطريقة التي يريد، وكيفما شاء، بدعوى أن له حقا شائعا فيه، وهذا فهم خاطئ، فالواجب علينا المحافظة على المرافق العامة، وحمايتها والقيام على تنميتها وتطويرها ؛ لأنها ليست لفرد دون فرد، ولا لجماعة في زمن معين ؛ بل هي لنا جميعًا، وللأجيال القادمة.
ومن على منبر مسجد ( آل شكر ) بالتجمع الأول أكد د/ عادل إبراهيم المعصراني بالديوان العام أن مفهوم الشأن العام يتجاوز اهتمامات الفرد المحدودة إلى اهتمامات جموع الأفراد، ومن أجل ذلك فأمره ليس مشاعًا لأفراد الناس، وإنما يقوم عليه متخصصون، يدركون قيمة ما أسند إليهم من مهام تتعلق بالأمن القومي، وحياة الناس، ومصالحهم، ومقدرات الأوطان، ووضعها الإقليمي والدولي، وشئونها السياسية والاجتماعية، والأمنية، والعلمية، وغير ذلك، وأهل العلم على أن المجتهد أهل الاجتهاد والنظر، إذا اجتهد في مجال اختصاصه فأخطأ فله أجر، وإن اجتهد فأصاب فله أجران، ومفهوم المخالفة يقتضي أن من اجتهد من غير أهل العلم والاختصاص في غير اختصاصه، وفيما لا علم له به، فإن اجتهد فأصاب فعليه وزر لجرأته على الحديث والفتوى فيما لا علم له به، وإن اجتهد فأخطأ، فعليه وزران، وزر لخطئه، وآخر لجرأته على الفتوى بدون علم ؛ وذلك لحرص الإسلام على احترام أهل العلم والاختصاص، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، وأهل الذكر هم أهل العلم والاختصاص في كل علم من العلوم بحسب المسئول عنه.