فن وثقافة
مسلسل «في كل أسبوع يوم جمعة» يشعل مواقع التواصل الاجتماعى
احمد السيدمنذ أسبوعين انطلقت أولى حلقات مسلسل في كل أسبوع يوم جمعة على موقع شاهد.نت للمخرج محمد شاكر خضير وبطولة منة شلبي وآسر ياسين. وترددت الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي عن مدى اختلاف المسلسل ومستوى إثارته وغموضه الجديد على الإنتاجات العربية، وصادفتني بعض الآراء التي خصت مونتاج المسلسل بالمدح، نال مني الفضول ووجدتني أتوجه لأشاهد الحلقات؛ فتفاجأت بمدى جودة المسلسل وتكامل عناصره واستحقاقه لما تردد عنه بالفعل! كما وجدت أن المونتاج بالفعل يصل لدرجة من الجودة بإمكانها لفت أنظار المشاهد العادي بسهولة، لأن المونتير أحمد حافظ قدّم سردًا سلسًا جدًا لأحداث غامضة معقدة وخيوط زمنية متوازية تتشابك في كثير من نقاط الالتقاء، أخذ ينتقل بينهم بمنتهى الرشاقة دون أن يغفل تفصيلة ودون أن يفقد اهتمام المشاهد أو يشتت انتباهه للحظة، وهو أمر ليس سهلًا في دراما الغموض.
المونتاج وطبيعة السرد قادران على نقل أي عمل غموض إلى مستويات أخرى تمامًا،هما بمثابة أداة ذهبية لجعل حبكة العمل مقنعة وموّرطة للمشاهد قدر الإمكان، كما أنها وسيلة لخروج العمل بشكل استثنائي لم يقابلنا من قبل، مثلما شاهدنا جميعًا في فيلم Memento للمخرج الإنجليزي المعروف كريستوفر نولان؛ والذي نقل قصته لمستويات أخرى تمامًا باستخدام طريقة السرد التي اختارها لفيلمه، هنا المونتاج بدوره يقرر أن ينقل العمل لمستوى آخر بأسلوب سرده وسلاسة تنقله بين أحداث معقدة وخطين زمنيين مختلفين عامرين بالتفاصيل الغامضة.
فهذا يتضح منذ المشاهد الأولى للمسلسل، والتي أضاءت نورًا قويًا بأننا أمام قصة مختلفة وبطلة مثيرة للاهتمام، تتظاهر بالموت باتفاق مع عائلتها، لتنتقل إلى عالم آخر يبدو مريبًا عن هذا الذي فاتته وهربت منه! فنتورط تمامًا بالقصة منذ لحظات ميلادها على الشاشة.
وبتقدمنا في الأحداث، يؤكد المونتير حافظ تمكنه وسيطرته على الحبكة رغم غموض تفاصيلها، فيحفظ إثارة الأحداث وتصاعدها باتزان مثير للإعجاب. مثلًا يعقد معنا كمشاهدين اتفاقًا خفيًا، ويُقدم لنا تفاصيل من ماضي بطلتنا نور قبل تتر الحلقة، وبعدما يغرس هذه التفاصيل يكشف لنا روابطها بما يحدث في الحاضر للبطلة خلال الأحداث التي تتوالى علينا بعد التتر، كل هذا بسلاسة تامة ودون أي تشتيت، تتلقاه كمشاهد بسهولة ودون أن تشعر بجهد منك أو منه.
ثم تتصاعد الأحداث وتتأزم مجريات القصة نفسها، فيوّرطنا المونتاج في الحلقة الثالثة مع أبطاله بأساليب جديدة، فنكتشف التفاصيل مع نور وكأننا مكانها تمامًا، حين تهرول لشاشة اللاب توب وتجري بحثًا لتصل إلى معلومة تؤرقها، ثم تنكشف لنا على الشاشة عمليات بحثها، وتتوالى علينا التفاصيل ونتشربها مع نور بنفس الإثارة التي تراودها هي، دون الحاجة إلى مشاهد مليئة بالحوار أو لف ودوران لتلقين هذه المعلومات لنا؛ وهو ذكاء سردي قلما صادفته في أعمال عربية، جعل من التفاصيل الغامضة صعبة التتبع، تفاصيل مثيرة ننتظر ظهورها لنعطيها كل اهتمامنا! هذا طبعًا بالإضافة للمحادثات الإلكترونية بين أبطال المسلسل، التي تنكشف لنا على الشاشة وتظهر لنا كيف تتعقد أحداث الحبكة وتتطور العلاقات بين الأبطال، فهي ليست لعبة يلهو بها الصناع على الشاشة كما عهدنا في بعض الأعمال السابقة.
هناك الكثير من التفاصيل في توليفة أحداث المسلسل وتركيبة حبكته تشهد بتميز المخرج محمد شاكر خضير وهو ليس أمرًا جديدًا عليه، كما يستحق إياد إبراهيم الإشادة على معالجته الدرامية المتماسكة جدًا، وكذلك المونتاج الذي يشير لأن حافظ مونتير متميز وذكي؛ وهذا ما دفعني للبحث عنه والتعرف على أعماله السابقة. لأجد على الموقع الشهير IMDb أنه مونتير فيلم اشتباك، والذي لاقى إشادة من نقاد عالميين وخاصًة مونتاجه السلس السريع رغم سيرورة الأحداث كلها داخل سيارة ترحيلات! غير أنه خلف أعمال هامة ومتميزة للمخرج مروان حامد، مثل الأصليين والفيل الأزرق وتراب الماس، وقدم مونتاج الفيلم الدولي مسافر: حلب-اسطنبول للنجمة الأردنية صبا مبارك، غير مونتاج المسلسل الرمضاني طايع والذي لاقى إعجابًا واسعًا جماهيريًا ونقديًا، بالإضافة لمونتاج حلقة من حلقات مسلسل غموض أمريكي يُدعى Cypher. بسهولة تدرك أن مسيرته حافلة وموهبته تستحق الثناء.لذا خصصت هذا المقال لتسليط الضوء على جهد صناع المسلسل خلف الكاميرا، وللتحدث عن المجهود المتميز بمونتاج وتوليفة أحداث في كل أسبوع يوم جمعة، ليخرج لنا بهذه الحبكة المتماسكة رغم غموضها والأحداث المثيرة رغم تعدد تفاصيلها