مقالات
عم حسين ” ..غاب عن الحياة
الدكتور محسن عبد الخالق
غاب عن الحياة أمس أحد النبلاء الذين تركوا فى الحياة أثرا وذكرا ..
غاب عن الحياة أمس صديقى " عم حسين الدوشى" الرجل الذى كان يتولة مسئولية إعداد فنجان قهوة " الأستاذ " ، وهى مسئولية ذات تأثير لا يستهان به على الحالة المزاجية لأستاذ تجاوز جميع الألقاب التى تسبق الأسماء قال عنه الأستاذ ذات مره بعد أول رشفة من فنجان قهوة كان قد أعده :
" حسين " فى عمله مبتكر ..
وهو ضابط إيقاع ..
وهو سفير " النوبة " ..
مقيم عندنا هنا فى " الأهرام " ..
قالها الأستاذ " هيكل " بإبتسامته المنعشة ..
فجأة ..
حدثت نقلة ضوئية فى حياة " عم حسين " المهنية ، ذلك حين ترك فن إعداد القهوة لينتقل إلى فن آخر بعده هو فن " التصوير " الضوئى ، وراح يمسك بعدسة آلة التصوير لحظات رائعة من الحياة ويثبتها لنا على ورق حساس ، كم أسعدتنى إرادة التحول هذه ، ان الإرادة تستطيع أن تحقق حلمها ، وتجدد وسائله .
كان " عم حسين " بلونه " الابنوسى" الفاتح يؤكد أنه من بلدة المحرقة " ضاحية من ضواحى النوبة التى يتميز أهلها بالصدق ، والأمانة ، والكرم .
وكانت تطربنى لهجته " ذلك حين كان " يؤنث " المذكر فيقول لى مثلا :
إنتى كنتى فين ، إنتى بتتأخرى كتير ليه .. وكنت أضحك ، والآن ما عادت الضحكة ضاحكة ، فقد كتمت أنفاسها الأحزان ..
مساء أمس وفى مدخل قاعة الواجب كان الحب ، والمودة ، والصدق ، والإيثار ، والوفاء ، والواجب ، والشهامة ، والإنضباط ، والتفانى ، كلها اصطفت بجوار بعضها البعض لتتلقى فيه العزاء .
غاب عن الحياة جزء من صميم أيامنا الحلوة ، زاملت " عم حسين " وتعلمت منه مثل ما زاملت أسماء أخرى علت ولمعت فى الآفاق ، تكرمت المقادير وكنت أحد تلاميذهم .
كانت زيارتى الأخيرة له منذ أسابيع قليلة فى منزله ٦ شارع المدرس الطالبية بالهرم ، لقد بدا لى ان القدر يحاول أن يطفىء بقايا شمعة تذوب ، وكانت الدموع مؤجلة .
رحمة الله على صديق قليلا ما تجد له نظيرا .