من كتابى ..” الملاحة فى بحور مضطربة ” ..” أُمّى ”

جريدة البوابة المصرية
جريدة البوابة المصرية
وزيرة التنمية المحلية تشارك في فعاليات إنطلاق النسخة الخامسة من الأسبوع العربي للتنمية المستدامة بجامعة الدول العربية تعرف من عارف علي اسعار الفاكهة جملة اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 تعرف من عارف علي اسعار الاسماك اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 جامعة أسوان تنظم يوم رياضي ضمن مبادرة 100 يوم رياضة وإقامة المباراة النهائية لبطولة دوري الأنشطة الطلابية تعرف من عارف علي مواعيد مبارايات اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 ساعات ويختتم العالم قمة المناخ COP29 بباكو عاصمة أذربيجان تعرف من عارف علي اسعار الخضار اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 تعرف من عارف علي اسعار الذهب اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 محافظ الإسكندرية: رفع درجة الاستعدادات للتعامل مع توقعات الهيئة العامة للأرصادالجوية تعرف من علي اسعار الحديد والاسمنت اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 تعرف من عارف علي اسعار صرف العملات الأجنبية اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 محافظة الاسكندرية تطرح عمليات جديدة ضمن خطتها الإستثمارية

مقالات

من كتابى ..” الملاحة فى بحور مضطربة ” ..” أُمّى ”

الدكتور محسن عبد الخالق
الدكتور محسن عبد الخالق

اليوم ليس مثل كل يوم ..فى مثل هذا اليوم غَابت " أمى " ..
فإنطفأت الشمس ، فإذا الليل ينزل على الكون ظلامًا وقتامًا ..
غَابت " أمى " ..
فإذا الطيور توقفت عن الغناء ..
أعرف أنه لا يوجد إنسان لم يحزن فى حياته ، لكن من منكم رأى الحزن وهو يُمطِر ..
اليوم أغالب مشاعري كلها لأكتب " لأمى " فإذا العبارة المُذَهَّبَة والحروف المشغولة من الحُلى ، قد إتَّشحَت بلون الحِدَاد ، وإذا الكلمات لا تتجاور وإنما تتبادل أحزانها ، وإذا للقلم دُمُوع يَذرُفُهَا بين الكلمات ..
! أبعث إليك هذه الرسالة ولا أعرف العنوان !
فقد جري العرف أن تصل الرسائل إلي أصحابها عن طريق الأسماء والأرقام لكن هذه المرة استثناء ، الرسالة تصل إلي صاحبها عن طريق الوجّد والشجن المبهم ..
أحاول الاتصال بك يا " أمى " عن غير طرق الاتصال التقليدية ، أحاول الاتصال بك عن طريق الله سبحانه وتعالي أحياناً بالدعاء وأحيانا أخرى بالصمت السهوم ، ذلك أن طريق الله سبحانه وتعالي أسرع من أي طرق إنسانية .
أعرف أن الرسائل لا تصل إلي عالمكم ..
أعرف أن رسالتي ستطوي في حنايا الأبد ..
وأعرف أن الزمن وراء حدود الأبد يتلاشى فى العدم ، وأن التاريخ هو أيضًا يموت هناك ..
ولا يبقي إلا وجهه الحق سبحانه وتعالي ..
ما أحوجني للحديث معك !
هل تسمعين صوتي ؟
هل الأصوات تصل عالمكم ؟
فإذا كانت الكلمة صوتاً فإن الصوت وحده هو الذي يكشف عن حضورها وإشعاعها ، الكلمة لا تبوح بأسرارها إلا للصوت ذلك أن الصوت هو الذي يوسع حدود الكلمة ، الصوت وحده هو الذي يكشف عن علاقاتها مع غيرها من الكلمات والأحاسيس التي تواكبها ..
فهل تسمعين حشرجة صوتى فى حنجرتى ؟
بعد الغياب كل شيء توقف إلا الدعاء ..
هذا الصباح أنا فى الطريق إليك زَائِرًا ، وأمام القبور المهجورة التي ليس لها سوي كومة صغيرة من التراب أتوقف لحظات أطول من لحظات وقوفي أمام القبور الأخرى ، جئتك وحدي وفي خبيئة صدري أشياء لم أعد أستطيع أن أقولها لأحدِ سواك ..
أنا الآن أقف أمام المقبرة موقف المُتجمّد ، مهيض الجناح ، مكسور الخاطر ، سقيم الوجدان ، أتحسس حروف أسمك المنقوش علي قطعة من الرخام بيضاء صماء أتصورك بخيالي في مرقدك ، أحاول أن أقنع نفسي أنك فقط مستسلمة لنوم عميق ، وأن الأمر مجرّد غفوة بعدها تفيقين ، ثم أكتشف أني كنت أهذي غير أن فى بعض الهذيان عقل ! .
كل شىء هنا يختلط يتشابه ينتزعني من الحاضر ليُعيدنى للوحدة ..
فجأة ..
داهمنى هذا السؤال :
لماذا أنا ضعيف هكذا عاجز كذلك عن مواجهة الفراغ والأيام التى كنت أنت فيها " صلابتي " وحمايتى ، هأنذا اليوم بلا سند وبلا دفاع ؟ ..
سؤال طرحته على نفسى مُختنقًا بالتَّأثّر ، فإذا الإجابة تجىء خَرساء بالعجز ..
وإني لا أتمكن من تخيلك هناك ! .
رُعبُ الفناء الجسدي وفكرة أنه لا شيء مما كان يجعلني أكاد أتلاشَى ..
وسط هذا الزوال أحاول أن أتنصَّت على نبضات الموتي داخل القبور !
هنا الوقت يسير عكس عقارب الضبط ..
الوقت يموت ! .
ثم من قال أن الموتي قد توقفت قلوبهم ؟
قلوب الموتى لا تتوقف ..
لكنها تظل تدق فى صدور الأحياء ..
ثم من قال أن الموتى لا يتكلمون ؟
إنهم لا يتوقفون عن الكلام ..
ولكن بأفواه الأحياء ..
كثير من الأبناء لا يعرفون قدر أمهاتهم !
أتعَجَّب من حالنا ، لا نرى الأشياء بوضوح إلا بعد أن تغيب عَنَّا ..
ولا نُحسِن رُؤيتها إلا عندما لا تَعُود أمام عُيوننا ! .
منذ دقائق عُدت إلى البيت بعد الزيارة ..
صورة أبى ، وأخى عبد المجيد ، وأختى عفاف ، وأختى سهير ، وأختى إلهام ، أشقائى النبلاء - رحمة الله عليهم - شَاخت خطوطها فوق الجدران ، المكان ملىء بعطرهم ، دخلت حجرتك ، أريد أن أعيد الحياة للمكان فإذا هو وَهمُ ، هذه الحجرة كانت مستودع أسرارى فإذا المكان غير المكان ، وإذا أشياء كثيرة فيها مَرَّ عليها الفراق ، كل نظرة أتحسس بأطراف أصابعي قطعة أثاث تستدعي ماضياً لا أريد أن أصدق أنه ماض ، الصمت هنا له رجع صدى يتردد بنبرات صوتك مؤكدًا أنك مازلت هنا ولست هناك . قبل أن أغلق باب الحجرة وأترك كل شيء داخلها يلفظ أنفاسه تحت رعشة الضوء ، وقعت عينى على مشغولات من الحُلىّ داخل عُلبة صغيرة أغلقها الوقت ! . بعدها إتجهت الي الباب هرباً إندفعت من حيث لا أدري إلي حيث لا أريد ثم عدت الي الطريق لم يكن ثمة أحد سواي وحيداً ، حين عَبرت لحظة فى خواطرى تذكرنى بسؤال صديق كان قد سألها عنى فقالت له بإبتسامتها المُنعشة :
هو خَرج منذ قليل " معها " إنه لا يستطيع أن يعمل بعيدًا عن زوجته ، ذلك أن قلبه لا يكون آنذاك معه ، كما قال عنه " الاستاذ " ، وأقول :
وعقلى أيضًا ! .
وبينما أنا غارق فى هذا الشجن إذا بلحظات صمت قد داهمت حواسي كلها لتُذكّرنى بكلمات " ألبير كامو " في مقدمة قصته " الغريب " حين يقول " ميرسو " برباطة جأش :
" اليوم ماتت أمي أو ربما البارحة لا أعرف تلقيت برقية تقول :
الأم ماتت والدفن غداً " ..
كل يوم خميس أعيش من جديد صباح هذا الفراق الذي إنتُزِعتِ فيه مني ! .
قبل العودة إلى بيتى تركت الصمت شاردا في المكان ذلك أن البيت ليس هو البيت ..
أفتقدك بشدة ، أفتقد صوتك ..
كيف تمضي الحياة بدون سند ولا مدد ؟
سؤال الجواب عليه يكاد يذبحنى ..
رغم كل شىء ..
كل يوم أستيقظ علي صوتك وصورتك ..
يا أعظم من كانت تقرأ وتُدقق فى كلماتي بلمح بالبصر ..
اليوم ليس مثل كل يوم ..
يستحيل عليّ اليوم القيام بشيء آخر غير التفكير فيك ولا أستطيع أن أمنع نفسي من أن تذرف دمعة صمت من داخلي إلي داخلي ..
اليوم ليس مثل كل يوم ..
المطر نائم ، والشمس تَسيل فى الشوارع ، والريح جالسَة تستَريح !
وزيارتى لك لم تنتهى ، حتى بعد إن وضعت فوق قبرك " زهرة " وحيدة شاحبة هدها الحزن وأسقمها الجفاف ..
" زهرة " ..
انعقد الدمع في رموشها ، فتقوست مثل علامة استفهام !
لو أن السماء تسمح بساعات زيارة ! .
" أمى "..



Italian Trulli