مقالات
الجاحظ والهوية الثقافية العربية
محمد عبد المنصفصدر مؤخرا كتاب "الجاحظ في عصري بني أمية وبني العباس "، للكاتب العماني سليم الهنائي تناول خلاله شخصية الجاحظ من جوانب لم يتطرق لها احد من قبل. تناول الدكتور سليّم الهنائي في هذه الدراسة الروايات التاريخية التي تضمنتها مصنفات الجاحظ، وكشفت عن رؤيته التاريخية والسياسية، وخاصة رؤيته للدولتين الأموية والعباسية. وهي رؤية لم تأتِ مباشرة أو واضحة في كتاب بعينه أو رسالة واحدة من رسائله، بل جاءت عبر روايات مبثوثة في كتبة المتعددة. وإذا كان الجاحظ لا يُعدُّ مؤرخاً، إلّا أن ما كتبه وتفرّد به في هذا الجانب يؤكّد الأهمية التاريخية لمصنفاته. ويعرض كذلك الدور الذي لعبه الجاحظ في إبراز الهوية الثقافية والسياسية العربية والإسلامية من خلال مصنفاته ورسائله؛ فقد لعب دورا مهما في الدفاع عن اللغة العربية وعن العروبة التي اتخذت بعدا ثقافيا وفكريا جديدا. كما تصدى للحركات الفكرية التي تستهدف الإسلام واللغة العربية. جاءت الدراسة في ثلاثمائة وثماني عشرة صفحة من القطع المتوسط، وصدرت عن الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء بالتعاون مع "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن. وكان من أهم النتائج التي خلُصت إليها أن الجاحظ رغم أصله غير العربي قد دافع عن العرب والإسلام تجاه مناهضيهم، وعبّر عن حقيقة أن معايير الانتماء في عصره تغيرت؛ إذ لم يعد النسب هو الأساس بل غدت الثقافة والفكر والولاء هي المعايير السائدة في هذا المجال. وكشف البحث كذلك دور الواقع السياسي والفكري الذي عاشه الجاحظ في تبلور شخصيته الموسوعية، ثم اتباعه مذهب الاعتزال الذي كان سببا في التقارب بينه وبين السلطة العباسية في عهد المأمون الذي ناصر المعتزلة وتبنّى مذهبهم. وأبرزت الدراسة موقف الجاحظ المناوئ لحركتي الشعوبية والزندقة من خلال ما كتبه وصنفه في الرد على أفكارها المنحرفة. وقد كان الدور الذي لعبه الجاحظ في هذا المجال سببا في حفظ تراثه، مقارنة بتراث المعتزلة الذي عُرّض في معظمه إلى التلف في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي. و سعى البحث في مجمله إلى الكشف عن شخصية الجاحظ وفكره وميوله السياسية وأثرها في كتاباته ومواقفه من التطورات السياسية والتيارات الفكرية في العصر العباسي. ما احوجنا الي القاء الضوء علي معالم الفكر العربي لنجعل منهم منارات مضيئة أمام الأجيال الحديثة التي خرجت لتري مطربي المهرجانات واصحاب الفيديوهات المشبوهة ولم يروي الجانب المضئ لمفكري العرب علي مدار الف وخمسمائة عام حتي فقد شبابنا الطريق الي الحضارة .