مقالات
السودان.. وأزمة سد النهضة
محمد عبد المنصفتحول مفاجئ في موقف السودان من مفاوضات سد النهضة مع الجانب الأثيوبي، حيث رفض الدكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان، منتصف الشهر الجاري التوقيع منفردا لإثيوبيا بالموافقة علي بدء المرحلة الأولي من ملئ خزان السد قبل انتهاء المفاوضات بين الدول الثلاث مصر والسودان واثيوبيا بشأن قواعد ملئ خزان السد الذي تقدر سعته بنحو 74 مليار متر مكعب سنويا.
وبخاصة في سنوات الجفاف الطويل فقد سبق وأن تعرض الحوض لفترة جفاف امتدت من عام 1979 حتي 1987 فيما عرف باطول فترة جفاف في القرنين التاسع عشر والعشرين حتي كادت توربينات السد العالي أن تتوقف عن العمل، وأصبح الموقف المائي في خطر فماذا لو تكررت تلك الأزمة وقت ملئ الخزان.
ولاول مرة يعلن عمر قمر الدين وزير دولة بالخارجية السودانية عن مخاطر انهيار السد، بالرغم من الإحتياطات الهندسية التي اتخذتها اثيوبيا قبل بناء السد بما يضمن مقاومته للزلازل والهزات الأرضية غير أن أي منشا هندسي من صنع البشر يظل عرضة للانهيار في اي لحظة.
ويبدو ان السودان قد استيقظت مؤخرا علي خطر السد المقام علي بعد نحو 25 كيلو متر من حدودها الشرقية، ومعني ذلك أن انهياره، سيؤدي حتما إلي تدمير كل المدن التي يمر عليها وصولا للخرطوم العاصمة ، وهو تحدي ليس باليسير.
وهو موقف مغاير تماما لموقف خبراؤها علي مدي عشرة أعوام بداية من إعلان اثيوبيا انشاء السد عام 2011 وحتي رفضها التوقيع علي صيغة الاتفاقية التي صاغها بنك التعمير الدولي بالتنسيق مع وزارة الخزانة الامريكية فبراير 02020.
يبدو أن الحكومة الجديدة قد تفهمت العمق الإستراتيجي لها في القاهرة، وأهمية توحيد الجهود في مواجهة الجانب الاثيوبي الرافض للإلتزام بقواعد القانون الدولي التي تلزمه بعدم انشاء أي عمل هندسي علي مجري النهر الدولي قبل الحصول علي موافقة دولتي المصب مصروالسودان.
وربما كانت اثيوبيا راغبة في تصدير المشكلات السياسية التي تحاصرها مع دول الجوار فلديها خلافات تاريخية مع اريتريا بداية من الصراعات المسلحة التي تمتد لعدة قرون ومن الصعب أن ينسي الإريتريين ما صنعه الاثيوبيين في أجدادهم وآبائهم وهناك مشكلة اقليم أجادين الذي قامت اثيوبيا باستقطاعه من الصومال وضمه اليها بقوة السلاح في ظل النزاعات المسلحة التي لا تنتهي بين الطوائف الصومالية.
ولكن صحوة الحكومة السودانية الجديدة جاءت في التوقيت المناسب لتشرح للشعب السوداني حقيقة مخاطر السد عليه وعلي الشعب المصري ولتعيد فلسفة التعاون مع مصر، بدلا من لغة الخلاف عير المبرر التي استمرت طوال حقبة حكومة الإنقاذ التي ظلت تحكم السودان طيلة ثلاثين عاما منذ عام 1989 وحتي 2019 .
ربما كانت هناك ضغوطا أجنبية وراء ظهور تلك الخلافات، المهم أن السودان الشقيق قد استعاد طريقه الصحيح وعاد للتعاون الجاد والبناء مع أهله من المصريين الذين ظلوا منذ فجر التاريخ عنصران وثيقان لا ينفصم بعضهما عن بعض.. نتمني أن تصل الدول الثلاث لحل قبل بدء ملئ الخزان يوليو القادم .. حتي لا تتعرض المنطقة لنزاعات تقتل الأخضر واليابس.
فاذا كان الماء يعني لإثيوبيا التنمية فانه يعني لمصر الحياة نفسها .