بداية نحن في حاجة إلى الواعظ والعالم والمفكر ، وإلى جهود الجميع ، وقد لا يغني أحدهم عن الآخر ، لكن مكمن الخطر في تجاوز الحدود ، وتقمص بعض الناس دورًا ليس له بأهل ، أو محاولته فرض هذا الدور على الآخرين ؛ لما يترتب على ذلك من خللٍ في عملية البناء الفكري للمجتمع ، أو في هندسة هذا البناء على أقلّ تقدير .
نحن إذًا في أمسّ الحاجة إلى تحديد الدور المنوط بكلٍ من الواعظ والعالم والمفكر ،وتوظيف كل في مجاله وميدانه ؛ حتى لا تختلط الأمور ، ويرتبك المشهد ، ولا سيما في مجال الفكر الديني المعروف بدقّته وحساسيته ، وحاجة المجدد فيه لأدوات لا تكاد تتوفر إلا في من أفنى حياته فيه علمًا وفكرًا ومدارسة ، إضافة إلى ما يمنّ الله به عليه من مقومات وملكات خاصة ، وما يحصله من خلال الخبرة والدربة والممارسة وخوض غمار الحياة العامة ، مع القدرة على فك شفراتها وتحدياتها ، والقدرة على قراءة الواقع بكل أبعاده وتحدياته وتعقيداته وتجلياته برؤية ثاقبة وفكر مستنير ، ناهيك عن انصهاره الدائم فيما قطع نفسه له وحبسها عليه.
ما أحوج الأمم إلى جهود علمائها ومفكريها وجهود سائر أبنائها ، لكن يظل نبوغ المفكرين في كل الأمم هو العملة النادرة والثروة الأعلى والأغلى ، والتي بقدر ما تمتلك منها الأمم من الطاقات والخبرات بقدر ما يكون تقدمها وازدهارها ، وتبوء مكانتها في مصاف الأمم المتقدمة .