تكنولوجيا واتصالات
الزراعة الذكية في العالم العربي.. حاجة ملحة لاستدامة الأمن الغذائي
بقلم نضال أبوزكي، مدير عام "مجموعة أورينت بلانيت"تعرّض القطاع الزراعي حول العالم كغيره من القطاعات الأخرى إلى تراجع كبير في الإنتاج على خلفية تفشي فيروس كوفيد-19 في العالم، والذي فرض قيوداً جديدة تسببت في أضرار كبيرة بالقطاع الزراعي بسبب القيود اللوجستية ونقص العمالة، حيث يلعب هذا القطاع دوراً حيوياً في الاقتصاد خصوصاً في أوقات الأزمات. وهذا ما يحتم على الدول اعتماد نموذج جديد للزراعات الذكية التي تعد إحدى التقنيات والمفاهيم الجديدة في الزراعة، بهدف تطوير الأمن الغذائي الذاتي، ومواجهة المتغيرات المناخية. فعلى سبيل المثال، يستهلك قطاع الزراعة على صعيد العالم حوالي 70% من المياه العذبة المتاحة. وبالمقابل توفّر تقنية الزراعة المائية الحد من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 90% مقارنة مع الزراعة التقليدية.
ومع توقعات بازدياد عدد السكان في العالم إلى نحو 9.7 مليار نسمة بحلول العام 2050، سيزداد الطلب على الغذاء بنسبة تصل إلى 60% بحسب تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي. لذا ستتجه الدول المتقدمة بشكل أكبر إلى استخدام التكنولوجيا والرقمنة لتنمية الإنتاج الزراعي وتغطية الاحتياجات المتنامية للسكان، حيث تتحكم الإدارة الذكية للأراضي الزراعية في كميات المياه المستخدمة ومواءمة درجات الحرارة والرطوبة بحسب الاحتياجات المطلوبة ونوعية المحاصيل، بالإضافة إلى توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأنظمة التحكم عن بعد وتسخير الذكاء الاصطناعي لقياس المتغيرات مثل حموضة ودرجة حرارة ورطوبة التربة، والحصول على بيانات موثوقة ودقيقة يتم استثمارها في توجيه الزراعة نحو إنتاج أكبر ذو جودة عالية وبتكلفة أقل، واتخاذ القرارات المُثلى لتحسين نوعية الإنتاج.
وفي ظل عدم قدرة أساليب الزراعة التقليدية على تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية ومواجهة الظروف والتحديات المناخية، أصبح لزاماً الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة للمحافظة على الأراضي الصالحة للزراعة وترشيد استخدام الموارد الطبيعية. فإنتاج الأغذية والزراعة يعتمد على الموارد الطبيعية، وبالتالي فإن استدامة الإنتاج تتوقف على استدامة الموارد. ومن أهم مظاهر الثورة الصناعية الرابعة في مجال الزراعة الذكية المزارع الروبوتية وتقنيات إنترنت الأشياء التي تشمل الزراعة الدقيقة والزراعة الأفقية والعمودية والتقنية ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى استخدام الطائرات المسيّرة بدون طيار التي تعمل على رصد المحاصيل وتقييمها، وتصوير الأراضي الزراعية ورسم الخرائط، وقياس مكونات الهواء، إضافة إلى رش المحاصيل بالمبيدات بشكل سريع وآمن، وإرسال البيانات بشكل فوري إلى برمجيات تقوم بتحليلها وتوجيه المزارعين إلى تنفيذ الإجراءات بشكل أفضل.
وتعتبر المنطقة العربية من أكثر المناطق حاجة لتطبيق تقنيات الزراعة الذكية لما تواجهه من أزمات بيئية كبيرة، تتمثل في تغير المناخ والجفاف والتصحر ونقص المياه الصالحة للزراعة، الأمر الذي يؤثر سلبًا على توفير الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي. وتمثل التكلفة المادية وضعف البنى التحتية للاتصالات والتكنولوجيا من أهم التحديات التي تواجهها البلدان العربية. لذا فإن تعزيز العمل العربي المشترك وتبادل الخبرات والتجارب فيما بينها تشكل عاملاً رئيسياً لتنمية الزراعة وإيجاد حلول مستدامة لمستقبل القطاع الزراعي.
وتعد الإمارات أول دولة في المنطقة العربية تتجه إلى الزراعة الذكية بهدف تلبية الاحتياجات وتحقيق الاستدامة في الإنتاج الزراعي، حيث قطعت شوطاً كبيراً في تبني الزراعة الذكية مناخياً كجزء من سياسة التنوع الغذائي والاستخدام الأمثل للموارد وبناء القدرة على التكيّف مع الظروف الجوية الصعبة مثل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة العالية وشح المياه. وقد قطعت شوطاً كبيراً في توفير الغذاء بطرق حديثة ومبتكرة تخطت بها العديد من الدول المتقدمة في هذا المجال، وحرصت على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة وإنتاج المحاصيل بطريقة تمكنت فيها من تطويع الطبيعة في التغلب على نوعية التربة عبر تطبيق تكنولوجيا الغذاء.
وتمثل إمارة أبوظبي نموذجاً يحتذى به للمدن الطامحة لتحقيق الاستدامة الزراعية، حيث حققت إنجازات مهمة في تنمية القطاع الزراعي، وتحويل الصحراء إلى ساحات خضراء ومزارع منتجة. فخلال العقود الماضية تضاعفت مساحة الأراضي الزراعية 33 مرة من 22 ألف دونم إلى أكثر من 750 ألف دونم في الفترة نفسها. كما عملت على تجارب زراعية نوعية وتبني تقنيات حديثة ذات كفاءة عالية في الزراعة، مثل تقنيات الزراعة المحمية والزراعة المائية والزراعة في بدائل التربة، واستخدام الأنظمة الذكية والتقنيات الحديثة بالري والتسميد والتحكم بنوعية المياه. وخصصت مؤخراً 30 مليون دولار على شكل حوافز مالية لشركات التقنيات الزراعية التي تتطلع إلى تأسيس أعمالها أو تنميتها في الإمارة بهدف تعزيز إمكانات وابتكارات التقنيات الزراعية المحلية.
قد تكون جائحة فيروس كوفيد-19 المستجد وتداعياتها سلطت الضوء بشكل أكبر على أهمية استخدام التكنولوجيا في القطاع الزراعي، إلا أن قضية الأمن الغذائي في العالم تشكل مشكلة كبيرة حتى قبل تفشي الجائحة، وتفرض الحاجة إلى إيجاد حلول مبتكرة وغير تقليدية للزراعة، والنظر في رقمنة الصناعات الزراعية بشكل أكبر من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية لكل سكان العالم، حيث سيكون هناك تحدٍ كبير لإطعام حوالي 10 مليارات شخص حول العالم بحلول العام 2050.