كتاب الادب
سميحة المناسترلى تختتم قراءتها في كتاب نظام التفاهة
محمد عبد المنصفعزيزي القارئ ذكرنا بالمقالات السابقة نبذة عن كتاب "نظام التفاهة" الصادر عام 2017م، للفيلسوف الكندي "آلان دونو" خريج جامعة باريس، والمحاضر بجامعة كيبك بمونتريال، والذى قامت على ترجمته دكتورة مشاعل عبد العزيز الهاجري اعتمادا على النسخة الأصلية بجانب النسخة المترجمة للإنجليزية.
يتكون الكتاب من أربعة فصول في 368 صفحة، ونأتي على استرجاعهم في نقاط سريعة: أولاً : "المعرفة والخبرة" وهو عن تسرب التفاهة لتحل مكان العالِم والمبتكر، والباحث الأكاديمي الحقيقي، ليصبح (الخبير محدود المعرفة)، وسيطرة التافهون من ممولي الجامعات والدراسات من رؤوس الأموال على كل ما هو أكاديمي، مما يقزم من حجم العلماء والعلم، ثانياً : "التجارة والتمويل" وفي هذا الفصل يكشف تحكم الرأسمالية للإقتصاد العالمي، عن طريق التحكم في أسواق المال والبورصة، من خلال التغيرات السريعة للتقنيات الحسابية، والنظام الذكي للحاسبات المتطورة.
التى لا يستطيع الفرد العادي فهمها أو تتبعها حال حدوث كوارث إقتصادية، أو أزمات مالية كبرى، ثالثاً : "الثقافة والحضارة" وكيفية تسرب التفاهة للثقافة وعوامل التحضر والأبعاد الروحية للجانب الإنساني، وتوجيهها للإستفادة المادية عن طريق استغلال طاقاتها الإبداع، ومشاهير الفن والإعلام وتحويلهم إلى سلع تافهة، يتم التحكم فيهم من خلال مؤسساته، التى لها توجهاتها الإقتصادية والسياسية الخاصة بها، والتى شبهها الكاتب "باللعبة"، كل هذه الممارسات تتم و"هو ككيان ممول ومستفيد" يعمل أو يلعب دوره من وراء الستار بعيداً عن الساحة، وعن أي مسائلات قانونية وضرائبية .
أما اليوم فنحن بصدد عرض للفصل الرابع والأخير وهو: "ثورة إنهاء ما يضر بالصالح العام- خاتمة الوسط المتطرف"، حيث أعتمد الكاتب على عرض بعض المبادىء والنظريات العالمية المختلفة لأشهر الفلاسفة والمفكرين وأصحاب النظريات الهامة مثل: ألبرتًو كامو - الكاتب المسرحي والمفكر الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل بالخمسينيات وكان معتنقا للفلسفة الوجودية، أيضاً عن الماركسية والليبرالية وغيرهم، كما استشهد من زاوية أخرى بنظرية "بليز بسكال" 1623-1662 الفيلسوف الفرنسي ودعوته بالإيمان بالله قائلا : إن الإعتقاد الديني هو رهان حكيم فإذا كسبه سيكسب كل شىء وإن خسره فلن يخسر شىء .
استعرض الكاتب الكثير من النظريات والإستشهادات، والكل اتفق على إلزامية التخلص من - نظام التفاهة- الذي طغى واستشرى على جميع المناحي الحياتية في هذا العصر من علم، وانتاج وإبتكار ،ثقافة، معرفة، إبداع وفنون وغيره لصالح الفساد والنظام السلطوي الرأسمالي المتحكم .
نجد أن كلما بحثنا عن فكرة للتحرر من نظام التفاهة بصورة سلمية لتطوير الحياة والمضي فيها بمنهج متوافق، فلن يكون فيها أي ضمانات للتخلص منها بل سيزداد شراسة .. !! وإذا بني الخلاص على ثورات فوضوية فالنتيجة تصبح في صالح الرأسمالية السلطوية، لأننا سنخلق لشركاتهم فرصة لإقامة مشاريع تعمير لإصلاح ما تم تخريبه، ومنفذ لتعاظم المكاسب وتمكين أكثر لنظم التفاهة لفساد أعظم .
عرف "الفيلسوف أرسطو" الفساد بأنه عملية ليس لها من نهاية (الفساد يلاعب نفسه بنفسه إلى أن يصل إلى حد الإكتمال فيدمر نفسه بنفسه)، فالفساد ليس دماراً هامشياً، أو شراً محدوداً وعلامة سطحية .. إذ علينا أن نفهمه كهجوم : لايمكن للفساد أن يكون أبدياً، فهو بحكم تحول ذاته يصل إلى نهايته الخاصة، على سبيل المثال فما يمكن أن يحدث من فساد بمؤسسات عامة ومبادىء على مدى عقود، دون التساؤل عما حدث لها كنتيجة للتغيرات العميقة التى تسبغ عليها هذا الإسم، يجب أن نخرج منه بنتائج سلبية، أيضاُ علينا الخروج -بمفاهيم- تركتنا من استيعاب النظام الجديد الذي يتمخض عنه هذا الفساد – فيما ينهي نفسه بنفسه، فلا فساد دون توليد، ونتيجة التوليد ستكون أفضل من الفساد نفسه .
بمعنى أننا الآن في خضم نظام تافه مخترق لمختلف المناحي الحياتية، وبمؤشر غير قابل للإنخفاض والمعالجة الفورية اليوم، إذن هو سيأخذ دورته "ككرة الثلج" السريعة، لكن على المجتمعات أن تحافظ على مكتسباتها من قيم وعلوم، وسُبل الإصلاح والتقويم المفترض، في ذات الوقت على المجتمعات أن تقوم بخلق كرة الثلج الخاصة بها، مواكبة لإنتهاء دورة نظام التفاهة وتحطمها الذاتي، فتكون جاهزة للبدء قي دورة حقيقية ناضجة بإرادة وإصرار الشعوب اللافظة لمثل هذا المنهج الفاسد، الذى ترفضه المجتمعات وتريد القضاء عليه.
لذلك ( علي المجتمع السوي رصد دورة الفساد، واقتناص لحظات ضعفه لإسترجاع مكانته الأصيلة، حفاظاً على مستقبل البشرية، والتطور والإرتقاء بالمجتمعات ).. من هنا أتوجه للقارىء العزيز بسؤال : هل بدأت خطوتك الأولى بالفعل كرافض، ولافظ لنظام التفاهة والفساد بخلق كرة الثلج الخاصة بك .. ؟!
تحياتي .. وإلى لقاء جديد قادم، وقراءة لكتاب " الثقافة الفريضة الغائبة " للكاتب والمفكر الكبير د. أسامة أبو طالب .
المؤلف