كتاب الادب
بقايا رجل ! قصة قصيرة للكاتب خالد حسن النقيب
خالد حسن النقيبأعيش بأطلال قلب تهاوي وتداعي الإحساس فيه منذ زمن بعيد يوم أن رحل الحب عني بموت من أحب كنت شابا يافعا تملأ الحياة صدري بالأمل والسعي لأيامي القادمة عندما التقيتها, رأيتني فيها ورأت نفسها وقد, تآلفت روحانا في أول لقاء وتعاظمت مشاعرنا حتي آخر لقاء
غادرتني كما التقتني سريعا فلم يمض علي زواجي منها الكثير هو عمري الحقيقي برفقتها ولم تبخل علي بقبس من روحها يجمع بيني وبينها طفل هو الحب بعينه مجسدا مني ومنها, ولكنها رحلت فجأة ولم تخبرني كيف أتعاطي الدنيا بغيرها, أعيش ببقايا فؤاد أنهكه الفراق حزنا ولوعة,ربما تمسكت الروح مني بالعيش من أجل صغيرنا حتي عندما أصرت أمي أن أتزوج من امرأة أخري ترعي الصغير وأتكيء عليها حتي أخرج من حزني لم أكن أنا من تزوج بغير حبيبته ولكنه رجل لم يرد إغضاب أمه وأراد الهناء وطيب العيش لابنه الصغير, إنسانا بلا قلب, وأي قلب ينبض ودعاماته تقلص الإحساس بها إلا من شعور بالذنب تجاه إنسانة لم يكن لها ذنب في الحياة غير أنها وافقت أن تعيش مع أطلال رجل لم يكن لها يوما..!
عشر سنوات مضت بي وأنا إلي جوار امرأة أخري ولا أتذكر يوما عبست في وجهي أو أظهرت لي ضيقا وهي تراني كل لحظة أفكر في امرأة أخري, كم أتعذب لها ولكني لا أملك من أمر مشاعري شيئا, أجتهد لإسعادها بقدر حبها العظيم لإبني ورعايتها له وهي ليست أمه, تساوي بينه وبين ابنتها وكأنهما شقيقان من رحم واحدة ولكني ألمح دائما في عينيها حزنا دفينا يصارع الدمع منها بكاء يكاد ينفجر صراخا مدويا ولكنه يظل مكتوما في صدرها تواري حزنها خلف ابتسامة رقيقة لا تفارق وجهها أبدا..!
لقد بت أكره نفسي لعجزي أمام مشاعر وأحاسيس ماض رحل عني ولن يعود وأراني سلبيا أمام طوفان الحب والحنان الذي تبديه زوجتي وليس في يدي لها غير حسن العشرة وطيب معاملتها.. كنت أبكي أمامها وأقول لها ليس الأمر بيدي فتربت علي كتفي وتقول لي أحترم وفاءك لحبيبة رحلت وأدعو الله أن يفسح لي مكانا في قلبك إلي جوارها بقدر حبي لك ثم تمضي عني وتستتر باكية فلا تنهار أمامي.
و قررت أن أضع حدا لعذابي وعذابها وطالما أني لا أستطيع أن أمنحها حريتها لتمسكها الشديد بي وبابنتنا وتمسكها حتي بابني من حبيبتي الراحلة.. ولم يكن قراري سوي أن أرحل أنا عن البيت وأعيش بعيدا ولم يكن هناك مبرر لذلك غير فكرة السفر والعمل بالخارج حتي أبقي بعيدا تماما, وعبثا حاولت أن أقنعها أني لست راحل عنها ولكني أخرج بحثا عن الرزق وتأمين حياتها والصغيرين, لم تصدقني وصرخت في أن أبقي إلي جوارها, قالت لي إنها تعرف أن قلبي ليس معها ولكن حياتها إلي جواري تكفيها سعادة واستقرارا وأنها لا تري في الدنيا رجل غيري وأن أطلال الحب الماضي لهي الأساس القوي الذي تبني عليه وجودها في حياتي وأنني بسفري هذا أقضي علي الأمل الأخير في حياتها وألفظها ذليلة بائسة.
أعيش صراعا بداخلي يحرق كل شيء ويأخذني إلي إحساس باللا وعي أو إدراك الأمور في حدودها الطبيعية فلا أنا قادر علي الرحيل وتوجيه ظلم جديد لامرأة وهبت حياتها لي بلا مقابل ولا نسيان الماضي المتملك مني حتي المرض لدرجة أنني أصبت باكتئاب شديد وذهبت إلي أحد الأطباء النفسيين وخضعت لجلسات علاج نفسي متعددة ولا أدر سبيلا للخلاص مما أنا فيه.
هل ما أنا فيه درب من دروب الهوس العاطفي أو الجنون؟ وهل يسري الحب في أوصالي سريان السم يقتل ببطء حتي النهاية المحتومة.
ت. ب
لعلك يا أخي في وفائك لحبيبتك الراحلة اندفعت في عجز واستسلام لمشاعر فقد مرضية كان من اليسير التخلص منها في حينها بشيء من الإيمان بقدر الله وحكمته ويقين راسخ بفلسفة وجودنا في الحياة وأن كل منا يسعي في الدنيا ويركض فيها حتي لحظة معينة لا ندر من أمرنا فيها شيئا ولا متي تأتي لتنتهي الدنيا وهي الحياة المؤقتة ولتبدأ حياة جديدة لا نهاية لها في معية الخالق عز وجل.
و في ظني أن إحساسك بفقد من أحببت بشكل مفاجئ وصادم والذي تملك منك وتشعب في وجدانك أوقعك في هوة سحيقة من الحزن المرضي تفاقمت آلامه وتعاظمت مع الوقت عكس ما جبلنا الله عليه في الدنيا من نعمة النسيان والقدرة علي تحمل الصدمات ومواجهتها بالصبر والزمن كفيل بأن ينسينا حجم الصدمة أيا كانت شدتها مع الوقت وبالتالي ما أنت فيه بالفعل يندرج تحت فكرة الأحاسيس المرضية لأن الحزن الطبيعي وألم الفراق يبدو في بدايته وكأنه حمل جبل ثقيل علي كاهل الإنسان قد يتصور لوقت قصير أنه غير قادر علي تحمله ويصاب أحيانا بما يشبه الانهيار اللحظي أو الوقتي يتلاشي مع الوقت أما وقد سلمت زمام نفسك لإحساس مرضي
وعلي حد تعبيرك احترقت به ولم يبق علي شيء بداخلك من إرادة تقاومه بها فكل ما عليك الآن أن تتقرب من الله عز وجل أكثر مما أنت عليه الآن وتكثر من قراءة القرآن الكريم فبذكر الله يطمئن قلبك ويسكن مع الوقت وعليك أن تدرك أن فتاتك الراحلة التي أحببت انتهي أجلها بقدر مكتوب وأن الأقدار هي نفسها التي وضعت في طريقك امرأة أخري كانت هي العوض والسند والسكن بحد تعبير القرآن الكريم ولعلها تحبك حبا عظيما يمكنه أن يزرع في قلبك نبتا جديدا لمشاعر صادقة تجمع بينك وبينها وفي ظني أنك لم تعط نفسك الفرصة لكي تنبت فيك هذه المشاعر واستسلامك المرضي لأوهام عواطف أعمي عينيك عن حقيقة واقع ملموس يحيطك بالحب والحنان وتجسد ذلك في طفلة جميلة جمعت بينكما وآخت ابنك من زوجتك الأولي.
فليكن حب الماضي بداخلك يعيش ولكن كذكري طيبة لأحاسيس جميلة عشتها بقدر الله وحرمت منها بقدره وعوضك عنها أيضا بقدره فارض بحكم ربك وأسبغ علي زوجتك من حنانك وحبك ما يقشع عن حياتك ظلمة الوهم الذي تعيشه وتذكر أن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم كان نموذجا للحب الطاهر العفيف فلقد أحب السيدة خديجة رضي الله عنها وعاش علي ذكراها طوال عمره ولم يؤثر ذلك علي حبه وحنانه لباقي زوجاته بعد ذلك فترفق بنفسك يا أخي وتذكر قول الله تعالي:( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم), فاطر:2].