سياسة
خبير دولي: حجب إثيوبيا للمياه عن مصر جريمة ضد الإنسانية تستدعي تدخل المحكمة الجنائية الدولية
محمد عبد المنصفأكد الدكتور محمد محمود مهران، الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية الدولية وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، أن التصرفات الأحادية لإثيوبيا في ملء سد النهضة للمرة الخامسة دون اتفاق قانوني مع مصر والسودان تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وتهديداً خطيراً للأمن المائي لدولتي المصب.
أكد لـ الزمان" أن ما تقوم به إثيوبيا من حجب للمياه عن ملايين المصريين والسودانيين يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، ويستدعي تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية، ومضيفا: "نحن أمام تطور خطير في مفهوم الجرائم الدولية، مشددا علي أن حرمان الشعوب من حقها الأساسي في المياه يجب أن يُعامل بنفس خطورة الجرائم التقليدية ضد الإنسانية".
أوضح أستاذ القانون الدولي أن تطور الفكر القانوني الدولي يستدعي إعادة النظر في تعريف الجرائم ضد الإنسانية ليشمل الانتهاكات الخطيرة للحقوق الأساسية، بما فيها الحق في المياه نظرا لان حرمان ملايين البشر من مصدر الحياة الأساسي هو عمل لا يقل خطورة عن الأشكال التقليدية للجرائم ضد الإنسانية.
وأضاف «مهران» انه يمكن اعتبار حجب المياه جريمة ضد الإنسانية استناداً إلى عدة عناصر من حيث النطاق الواسع للتصرفات الإثيوبية حيث يؤثر الحرمان من المياه على ملايين الأشخاص، فضلا عن المنهجية الواضحه حيث يتم تنفيذ ذلك كسياسة متعمدة وممنهجة من قبل دولة مثل إثيوبيا، بالإضافة الي الخطورة حيث تهدد هذه الافعال الحياة والصحة والكرامة الإنسانية بشكل مباشر، وكذلك فكرة الاستمرارية، لان ما يحدث ليس حدثاً عابراً بل سياسة مستمرة، وهناك علم بعواقب ما يحدث من الدول المنفذه لأنها تدرك تماماً الآثار الكارثية لأفعالها.
وحول إمكانية تدخل المحكمة الجنائية الدولية، أوضح «الخبير الدولي» أنه مع تطور الجرائم وظهور تهديدات جديدة للإنسانية، يجب أن يتطور دور المحكمة الجنائية الدولية أيضاً، مشيرا الي أنه يمكن للمحكمة النظر في هذه القضية من خلال توسيع تفسير الأفعال اللاإنسانية الأخرى المذكورة في نظام روما الأساسي ليشمل الحرمان المتعمد من الموارد الحيوية، واعتبار حجب المياه شكلاً من أشكال الاضطهاد ضد مجموعات محددة، والنظر في الآثار طويلة المدى لهذه الأفعال على السكان المتضررين.
وشدد الدكتور «مهران» على خطورة هذه الممارسات التي تخالف قواعد القانون الدولي للمياه قائلاً: نحن نتحدث هنا عن جرائم الأجيال الحديثة التي قد لا تظهر آثارها الكارثية على الفور، ولكنها تهدد مستقبل أجيال بأكملها، مؤكدا أن الحرمان من المياه يخلق كوارث انسانية ويؤثر على الحياة والصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية، مما يخلق دوامة من الفقر والمعاناة تستمر لعقود.
وحول الإجراءات القانونية الممكنة، ذكر «مهران» أنه يمكن لمصر والسودان اتخاذ عدة خطوات قانونية ودبلوماسية تبدأ مجددا بالتقدم بشكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي، مطالبين بالتدخل تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، باعتبار أن تصرفات إثيوبيا تهدد السلم والأمن الدوليين.
كما شدد «مهران» علي ضرورة اللجوء للجمعية العامة للامم المتحدة لطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية من خلال الجمعية العامة حول الجوانب القانونية لاستخدام مياه النيل والانتهاكات الإثيوبية، وتقديم شكاوى إلى كل الجهات المعنية المؤثرة ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بشأن انتهاك الحق في المياه والحياة، مع دعوة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في المياه والصرف الصحي لإجراء تحقيق شامل.
هذا بالإضافة الي تفعيل فكرة تطور الجرائم ضد الإنسانية والعمل على تحريك دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، مع تقديم أدلة موثقة على الآثار الكارثية لحجب المياه، ومشددا على أهمية التحرك الدبلوماسي الموازي، موضحاُ أنه يجب على مصر والسودان استمرار تكثيف جهودهما الدبلوماسية لبناء تحالف دولي قوي يضغط على إثيوبيا للتفاوض بحسن نية والتوقف عن تصرفاتها الأحادية.
كما أضاف «الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية الدولية» أنه يجب استغلال المنابر الإقليمية مثل الاتحادين الأفريقي والاوروبي وجامعة الدول العربية للضغط على إثيوبيا وإيجاد حل عادل للأزمة، محذرا من خطورة الوضع الراهن، لافتا الي ان استمرار إثيوبيا في نهجها الحالي يهدد بكارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة في المنطقة، معتبرا ان حرمان ملايين البشر من مصدر حياتهم الأساسي هو عمل عدواني لا يمكن السكوت عنه.
وأكد «مهران» مجددا على ضرورة تطوير الفكر القانوني الدولي، قائلا: آن الأوان لأن يعترف المجتمع الدولي بأن الحرمان المتعمد من الموارد المائية الحيوية هو شكل من أشكال الجرائم ضد الإنسانية، وان هذا التطور في الفكر القانوني ضروري لمواجهة التحديات المعاصرة للأمن المائي العالمي.
كما دعا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل، مشددا علي اهمية تدخله وأن يتخذ إجراءات حاسمة ضد التصرفات التعسفية لإثيوبيا، موضحا ان الصمت على هذه الانتهاكات يشجع على المزيد من التجاوزات ويهدد استقرار المنطقة بأكملها، هذا وأكد «الخبير في نزاعات الانهار الدولية» علي أهمية الوصول الي حل بالطريق الدبلوماسي، مستطردا: رغم خطورة الوضع فإننا ما زلنا نؤمن بإمكانية التوصل إلى حل عادل يحفظ حقوق جميع الأطراف، لكنه شد علي أن هذا الامر يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جانب إثيوبيا والتزاماً بقواعد القانون الدولي.
وتابع: على المجتمع الدولي أن يدرك أن قضية سد النهضة ليست مجرد نزاع إقليمي، بل هي اختبار حقيقي لقدرة النظام القانوني الدولي على حماية الحقوق الأساسية للشعوب وضمان الاستخدام العادل للموارد المائية المشتركة، مشددا علي اهمية تطوير الفكر القانوني الدولي ليواكب هذه التحديات الجديدة، منوها الي ان الجرائم ضد الإنسانية في القرن الحادي والعشرين قد تأخذ أشكالاً مختلفة عما عهدناه سابقاً، لكنها لا تقل خطورة في تأثيرها على حياة وكرامة البشر.